وقرئ على أبي عبد الله بن أبي الفتح بن وثاب الصوري، وأنا أسمع، أخبركم الشيخان: أبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن الإخوة البغدادي نزيل أصبهان، وأبو المجد زاهر بن أبي طاهر الثقفي الأصبهاني إجازة، قال الأول:
أخبرنا وقال الثاني: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي، أبو الوفاء منصور بن محمد بن سليم، قالا: أخبرنا أبو الطيب عبد الرزاق بن عمر بن موسى بن شمة، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم، قال: أخبرنا علي بن العباس المقالعي ، عن محمد بن مروان ، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير، قال: وثنا سفيان ، عن عن عبد الله بن دينار، قال: كانوا يصلون الصبح فانحرفوا وهم ركوع. ابن عمر،
وأما كيف كانت صلاته صلى الله عليه وسلم قبل فمن الناس من قال: كانت صلاته صلى الله عليه وسلم إلى تحويل القبلة، بيت المقدس، من حين فرضت الصلاة بمكة إلى أن قدم المدينة، ثم بالمدينة إلى وقت التحويل.
[ ص: 367 ] روينا من طريق أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ بالسند المذكور آنفا، قال: أخبرنا علي بن العباس المقالعي ، عن محمد بن مروان ، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير ، عن أبيه ، عن في كتاب (الناسخ والمنسوخ) له، قال: السدي قوله تعالى: ( سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ) قال: قال أول ما نسخ الله تعالى من القرآن حديث القبلة. قال ابن عباس: إن الله تبارك وتعالى فرض على رسوله الصلاة ليلة أسري به إلى ابن عباس: بيت المقدس ركعتين ركعتين، الظهر والعصر والعشاء والغداة والمغرب ثلاثا، فكان يصلي إلى الكعبة ووجهه إلى بيت المقدس. قال: ثم زيد في الصلاة بالمدينة حين صرفه الله إلى الكعبة ركعتين ركعتين إلا المغرب فتركت كما هي. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصلون إلى بيت المقدس. وفيه، قال: فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة سنة حتى هاجر إلى المدينة. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يصلي قبل الكعبة، لأنها قبلة آبائه إبراهيم وإسماعيل. قال: وصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حتى هاجر إلى المدينة، وبعد ما هاجر ستة عشر شهرا إلى بيت المقدس، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينظر لعل الله أن يصرفه إلى الكعبة، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: "وددت أنك سألت الله أن يصرفني إلى الكعبة". فقال جبريل: لست أستطيع أن أبتدئ الله جل وعلا بالمسألة، ولكن إن سألني أخبرته. قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء ينتظر جبريل ينزل عليه، قال: فنزل عليه جبريل وقد صلى الظهر ركعتين إلى بيت المقدس وهم ركوع، فصرف الله القبلة إلى الكعبة.. الحديث. وفيه: فلما صرف الله القبلة اختلف الناس في ذلك، فقال المنافقون: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ وقال بعض المؤمنين: فكيف بصلاتنا التي صلينا نحو بيت المقدس؟ فكيف بمن مات من إخواننا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ نقول: قبل الله عز وجل منا ومنهم أم لا؟ وقال ناس من المؤمنين: كان ذلك طاعة وهذا طاعة، نفعل ما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم. وقالت اليهود: اشتاق إلى بلد أبيه وهو يريد أن يرضي قومه، ولو ثبت على قبلتنا لرجونا أن يكون هو النبي الذي كنا ننتظر أن يأتي، وقال المشركون من قريش: تحير على محمد دينه، فاستقبل قبلتكم، وعلم أنكم أهدى منه، ويوشك أن يدخل في دينكم. فأنزل الله في جميع الفرق كلها: [ ص: 368 ] فأنزل في المنافقين: ( ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) إلى دين الإسلام ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) إلى آخر الآية.
وأنزل في المؤمنين: ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ) يقول: إلا لنبتلي بها. وإنما كانت قبلتك التي تبعث بها إلى الكعبة ثم تلا: ( وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ) قال: من المتقين. قال المؤمنون: كانت القبلة الأولى طاعة وهذه طاعة، فقال الله عز وجل: ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) قال: صلاتكم، لأنكم كنتم مطيعين في ذلك، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قد نرى تقلب وجهك في السماء } . ) يقول: تنتظر جبريل حتى ينزل عليك: ( فلنولينك قبلة ترضاها ) يقول: تحبها، ( فول وجهك شطر المسجد الحرام ) نحو الكعبة ( وإنه للحق من ربك ) أي أنك تبعث بالصلاة إلى الكعبة.
وأنزل الله في اليهود: ( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ) قال: لئن جئتهم بكل آية أنزلها الله في التوراة في شأن القبلة أنها إلى الكعبة ما تبعوا قبلتك، قال: وأنزل الله في أهل الكتاب: ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ) قال: يعرفون أن قبلة النبي الذي يبعث من ولد إسماعيل عليهما السلام قبل الكعبة، كذلك هو مكتوب عندهم في التوراة، وهم يعرفونه بذلك كما يعرفون أبناءهم، وهم يكتمون ذلك، وهم يعلمون أن ذلك هو الحق، يقول الله تعالى: ( الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ) يقول: من الشاكين.
قال: ثم أنزل في قريش وما قالوا، فقال: ( لئلا يكون للناس عليكم حجة ) قال: لكيلا يكون لأحد من الناس حجة ( إلا الذين ظلموا منهم ) يعني: قريشا، وذلك قول قريش: قد عرف محمد أنكم أهدى منه فاستقبل قبلتكم، ثم قال: ( فلا تخشوهم ) قال: فحين قالوا: يوشك أن يرجع إلى دينكم يقول: لا تخشوا أن أردكم في دينهم، قال: [ ص: 369 ] ( ولأتم نعمتي عليكم ) أي أظهر دينكم على الأديان كلها.
كل هذا عن من كتابه في (الناسخ والمنسوخ) وهو مروي لنا بالإسناد المذكور، وهو مروي عن السدي ، عن أبي مالك ثم يتخلل سياق خبره فوائد عن بعض رواة الكتاب، ثم يقول جامعه عند انقضائها وعوده إلى الأول: رجع إلى ابن عباس، ثم يقول عنه: قال السدي. كذا في أخبار متعددة متغايرة، فيحتمل أن يكون ذلك عنده عن ابن عباس ، عن أبي مالك ويحتمل الانقطاع، ولو كان ذلك في خبر واحد لكان أقرب إلى الاتصال. ابن عباس،
والسدي هذا هو الكبير: إسماعيل بن عبد الرحمن، يروي عن ، أنس وعبد خير، روى عنه الثوري ، ، وشعبة وزائدة، وكان يجلس بالمدينة في مكان يقال له: السد، فنسب إليه، احتج به ووثقه بعضهم، وتكلم فيه آخرون. مسلم،
والسدي الصغير: هو محمد بن مروان المذكور في الإسناد إليه، مضعف عندهم.
وقال آخرون إنه عليه الصلاة والسلام صلى أول ما صلى إلى الكعبة، ثم إنه صرف إلى بيت المقدس.
قال ذكر أبو عمر: سنيد ، عن حجاج، عن قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة، ثم إنه صرف إلى ابن جريج، بيت المقدس، فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه عليه الصلاة والسلام بثلاث، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد قدومه ستة عشر شهرا، ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة.
وقال وزعم ناس - والله أعلم - أنه كان يسجد نحو ابن شهاب: بيت المقدس ويجعل وراء ظهره الكعبة وهو بمكة، ويزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة حتى خرج منها، فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس.
قال وأحسن من ذلك قول من قال: إنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي أبو عمر: بمكة مستقبل القبلتين، يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس.
[ ص: 370 ] وقد روينا ذلك من طريق ، عن مجاهد قرأت على الإمام الزاهد ابن عباس، أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي بسفح قاسيون، أخبركم الشيخ أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب البغدادي ، وأبو الفضل عبد السلام بن عبد الله بن أحمد بن بكران بن الزاهري سماعا عليهما، الأول بالشام، والثاني بالعراق قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن نصر بن البسري بن الزاغوني، زاد ابن ملاعب: وأبو منصور أنوشتكين بن عبد الله الرضواني، قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري، وقال ابن الزاغوني: ، أخبرنا الشريف أبو نصر محمد بن محمد الزينبي، قالا: أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس المخلص ، حدثنا يحيى ، حدثنا الحسن بن يحيى الآرزي أبو علي بالبصرة، حدثنا ، حدثنا يحيى بن حماد ، عن أبو عوانة - عن سليمان - يعني الأعمش مجاهد، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو ابن عباس، بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه، وبعد ما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا، ثم صرف إلى الكعبة. عن
وروينا عن قال: أخبرنا ابن سعد، ، حدثنا هاشم بن القاسم عن أبو معشر، قال: ما خالف نبي نبيا قط في قبلة ولا في سنة، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل محمد بن كعب القرظي، بيت المقدس من حين قدم المدينة ستة عشر شهرا، ثم قرأ: ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ) .
وقد ذكرنا فيما سلف حديث وتوجهه إلى البراء بن معرور الكعبة، وفيه دليل على أن الصلاة كانت يومئذ إلى بيت المقدس، ولما كان صلى الله عليه وسلم يتحرى القبلتين جميعا ولم يتبين توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة.
قال السهيلي: وكرر الباري سبحانه وتعالى الأمر بالتوجه إلى البيت الحرام في ثلاث آيات، لأن المنكرين لتحويل القبلة كانوا ثلاثة أصناف: اليهود; لأنهم لا يقولون بالنسخ [ ص: 371 ] في أصل مذهبهم، وأهل الريب والنفاق اشتد إنكارهم له، لأنه كان أول نسخ نزل. وكفار قريش، لأنهم قالوا: ندم محمد على فراق ديننا، وكانوا يحتجون عليه، فيقولون: يزعم محمد أنه يدعونا إلى ملة إبراهيم وإسماعيل، وقد فارق قبلة إبراهيم وإسماعيل، وآثر عليها قبلة اليهود، فقال الله له حين أمره بالصلاة إلى الكعبة: ( لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم ) على الاستثناء المنقطع، أي: لكن الذين ظلموا منه لا يرجعون ولا يهتدون، وذكر الآيات إلى قوله تعالى: ( ليكتمون الحق وهم يعلمون ) أي: يكتمون ما علموا من أن الكعبة هي قبلة الأنبياء.
وروينا من طريق في كتاب (الناسخ والمنسوخ) له: حدثنا أبي داود ، حدثنا أحمد بن صالح عنبسة ، عن يونس ، عن قال: كان ابن شهاب، سليمان بن عبد الملك لا يعظم إيلياء كما يعظمها أهل بيته، قال: فسرت معه وهو ولي عهد، قال: ومعه قال خالد بن يزيد بن معاوية، سليمان وهو جالس فيها: والله إن في هذه القبلة التي صلى إليها المسلمون والنصارى لعجبا. قال: خالد بن يزيد: أما والله إني لأقرأ الكتاب الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم، وأقرأ التوراة، فلم تجدها اليهود في الكتاب الذي أنزل الله عليهم، ولكن تابوت السكينة كان على الصخرة، فلما غضب الله على بني إسرائيل رفعه، فكانت صلاتهم إلى الصخرة على مشاورة منهم.
وروى أيضا: أن يهوديا خاصم أبو داود في القبلة، فقال أبا العالية إن أبو العالية: موسى عليه السلام كان يصلي عند الصخرة ويستقبل البيت الحرام، فكانت الكعبة قبلته، وكانت الصخرة بين يديه، وقال اليهودي: بيني وبينك مسجد صالح النبي عليه السلام، فقال فإني صليت في مسجد صالح وقبلته إلى أبو العالية: الكعبة، وأخبر أنه صلى في مسجد أبو العالية ذي القرنين وقبلته إلى الكعبة. [ ص: 372 ]
قلت: قد تقدم في حديث البراء أن رجلا صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم تحويل القبلة، ثم أتى قوما من الأنصار فأخبرهم وهم ركوع فاستداروا، ولم يسم المخبر في ذلك الخبر، والرجل هو عباد بن نهيك بن إساف الشاعر ابن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو (النبيت) بن مالك بن الأوس ، عمر في الجاهلية زمانا، وأسلم وهو شيخ كبير، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم عنه الغزو، وهو الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم القبلتين في الظهر، ركعتين إلى بيت المقدس، وركعتين إلى الكعبة يوم صرفت القبلة، ثم أتى قومه بني حارثة وهم ركوع في صلاة العصر، فأخبرهم بتحويل القبلة، فاستداروا إلى الكعبة. وقد ذكر هذا الرجل بذلك، لكنه لم يرفع نسبه، إنما قال: أبو عمر عباد بن نهيك فقط، ونسبه الخطمي، فلم يصنع شيئا، فخطمة هو: عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس، ليس هذا منه، هذا حارثي، وبنو خطمة تأخر إسلامهم.
[ ص: 373 ]