وفود العرب
وفي سنة تسع ، قدمت وفود العرب على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وكانت تسمى بذلك ، ففيها قدم وفدبني تميم الذي تقدم ذكره .
وفيها : بني عامر ، فيهم قدم وفد عامر بن الطفيل ، وأربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر ، وجبار بن سلمى بن مالك بن جعفر ، قاله قال : وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم ، فقدم ابن إسحاق : عامر بن الطفيل ، عدو الله ، على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وهو يريد الغدر به ، وقد قال له قومه : يا عامر ، إن الناس قد أسلموا فأسلم ، قال : والله لقد كنت آليت لا أنتهي حتى يتبع العرب عقبي ، فأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش ؟ ثم قال لأربد : إذا قدمنا على الرجل فإني شاغل عنك وجهه ، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف . فلما قدموا على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال عامر بن الطفيل : يا محمد خالني ، قال : "لا والله حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له" قال : يا محمد خالني . وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به ، فجعل أربد لا يحير شيئا . فلما رأى عامر ما يصنع أربد قال : يا محمد خالني . قال : "لا ، حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له" . فلما أبى عليه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا . فلما ولى ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "اللهم اكفنيعامر بن الطفيل" .
فلما خرجوا من عند رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال عامر ، لأربد : ويلك يا أربد ، أين ما كنت أمرتك به ؟ والله ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف عندي على نفسي منك ، وايم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا . قال : لا أبا لك ، لا تعجل علي ، والله ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت بيني وبين الرجل ، حتى لا أرى غيرك ، أفأضربك بالسيف ؟
وخرجوا راجعين إلى بلادهم ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله على عامر [ ص: 313 ] بن الطفيل الطاعون في عنقه ، فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول ، فجعل يقول : يا بني عامر ، أغدة كغدة البكر ، في بيت امرأة من بني سلول !
ثم خرج أصحابه حين واروه التراب ، حتى قدموا أرض بني عامر ، فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا : ما وراءك يا أربد ؟ قال : لا شيء ، والله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله . فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يبيعه ، فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما .