ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=31969ما جرى له مع بلقيس
نذكر أولا ما قيل في نسبها وملكها ، ثم ما جرى له معها ، فنقول قد اختلف العلماء في اسم آبائها ، فقيل : إنها هي
بلقمة ابنة ليشرح بن الحارث بن قيس بن صيفي بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، وقيل : هي
بلقمة ابنة هادد ، واسمه
ليشرح بن تبع ذي الأذعار بن تبع ذي المنار بن تبع الرايش ، وقيل في نسبها غير ذلك لا حاجة إلى ذكره .
[ ص: 202 ] وقد اختلف الناس في التبابعة وتقديم بعضهم على بعض وزيادة في عددهم ونقصان ، اختلافا لا يحصل الناظر فيه على طائل ، وكذا أيضا اختلفوا في نسبها اختلافا كثيرا ، وقال كثير من الرواة : إن أمها جنية ابنة ملك الجن واسمها
رواحة بنت السكن . وقيل : اسم أمها
يلقمة بنت عمرو بن عمير الجني ، وإنما نكح أبوها إلى الجن لأنه قال : ليس في الإنس لي كفوة ، فخطب إلى الجن فزوجوه .
واختلفوا في سبب وصوله إلى الجن حتى خطب إليهم فقيل : إنه كان لهجا بالصيد ، فربما اصطاد الجن على صور الظباء فيخلي عنهن فظهر له ملك الجن وشكره على ذلك واتخذه صديقا ، فخطب ابنته ، فأنكحه على أن يعطيه ساحل البحر ما بين
يبرين إلى
عدن ، وقيل : إن أباها خرج يوما متصيدا فرأى حيتين تقتتلان بيضاء وسوداء وقد ظهرت السوداء على البيضاء فأمر بقتل السوداء ، وحمل البيضاء وصب عليها الماء ، فأفاقت ، فأطلقها وعاد إلى داره وجلس منفردا ، وإذا معه شاب جميل ، فذعر منه ، فقال له : لا تخف أنا الحية التي أنجيتني ، والأسود الذي قتلته غلام لنا تمرد علينا وقتل عدة من أهل بيتي ، وعرض عليه المال وعلم الطب ، فقال : أما المال فلا حاجة لي به ، وأما الطب فهو قبيح بالملك ، ولكن إن كان لك بنت فزوجنيها ، فزوجه على شرط أن لا يغير عليها شيئا تعمله ومتى غير عليها فارقته ، فأجابه إلى ذلك ، فحملت منه فولدت له غلاما فألقته في النار فجزع لذلك وسكت للشرط ، ثم حملت منه فولدت جارية فألقتها إلى كلبة فأخذتها ، فعظم ذلك عليه وصبر للشرط ، ثم إنه عصى عليه بعض أصحابه فجمع عسكره فسار إليه ليقاتله وهي معه ، فانتهى إلى مفازة ، فلما توسطها
[ ص: 203 ] رأى جميع ما معهم من الزاد يخلط بالتراب ، وإذا الماء يصب من القرب والمزاود . فأيقنوا بالهلاك وعلموا أنه من فعال الجن عن أمر زوجته فضاق ذرعا عن حمل ذلك ، فأتاها وجلس وأومأ إلى الأرض وقال : يا أرض ، صبرت لك على إحراق ابني وإطعام الكلبة ابنتي ، ثم أنت الآن قد فجعتنا بالزاد والماء وقد أشرفنا على الهلاك !
فقالت المرأة : لو صبرت لكان خيرا لك ، وسأخبرك : إن عدوك خدع وزيرك فجعل السم في الأزواد والمياه ليقتلك وأصحابك ، فمر وزيرك ليشرب من الماء ويأكل من الزاد ، فأمره فامتنع ، فقتله ، ودلتهم على الماء والميرة من قريب وقالت : أما ابنك فدفعته إلى حاضنة تربيه وقد مات ، وأما ابنتك فهي باقية ، وإذا بجويرية قد خرجت من الأرض ، وهي
بلقيس ، وفارقته امرأته وسار إلى عدوه فظفر به .
وقيل في سبب نكاحه إليهم غير ذلك ، والجميع حديث خرافة لا أصل له ولا حقيقة .
وأما ملكها
اليمن فقيل : إن أباها فوض إليها الملك فملكت بعده ، وقيل : بل مات عن غير وصية بالملك لأحد فأقام الناس ابن أخ له ، وكان فاحشا خبيثا فاسقا لا يبلغه عن بنت قيل ولا ملك ذات جمال إلا أحضرها وفضحها ، حتى انتهى إلى
بلقيس بنت عمه ، فأراد ذلك منها فوعدته أن يحضر عندها إلى قصرها وأعدت له رجلين من أقاربها وأمرتهما بقتله إذا دخل إليها وانفرد بها ، فلما دخل إليها وثبا عليه فقتلاه . فلما قتل أحضرت وزراءه فقرعتهم ، فقالت : أما كان فيكم من يأنف لكريمته ، وكرائم عشيرته ! ثم أرتهم إياه قتيلا ، وقالت : اختاروا رجلا تملكونه . فقالوا : لا نرضى بغيرك ، فملكوها .
وقيل : إن أباها لم يكن ملكا ، وإنما كان وزير الملك ، وكان الملك خبيثا ، قبيح السيرة يأخذ بنات الأقيال ، والأعيان ، والأشراف ، وإنها قتلته ، فملكها الناس عليهم .
وكذلك أيضا عظموا ملكها وكثرة جندها فقيل : كان تحت يدها أربعمائة ملك ، كل ملك منهم على كورة ، مع كل ملك منهم أربعة آلاف مقاتل ، وكان لها ثلاثمائة وزير يتدبرون ملكها ، وكان لها اثنا عشر قائدا يقود كل قائد منهم اثني عشر ألف مقاتل .
[ ص: 204 ] وبالغ آخرون مبالغة تدل على سخف عقولهم وجهلهم ، قالوا : كان لها اثنا عشر ألف قيل ، تحت يد كل قيل مائة ألف مقاتل ، مع كل مقاتل سبعون ألف جيش ، في كل جيش سبعون ألف مبارز ، ليس فيهم إلا أبناء خمس وعشرين سنة . وما أظن الساعة راوي هذا الكذب الفاحش عرف الحساب حتى يعلم مقدار جهله ، ولو عرف مبلغ العدد لأقصر عن إقدامه على هذا القول السخيف ، فإن أهل الأرض لا يبلغون جميعهم ، شبابهم وشيوخهم ، وصبيانهم ونساؤهم هذا العدد ، فكيف أن يكونوا أبناء خمس وعشرين سنة ! فيا ليت شعري كم يكون غيرهم ممن ليس من أسنانهم ، وكم تكون الرعية وأرباب الحرف والفلاحة وغير ذلك ، وإنما الجند بعض أهل البلاد ، وإن كان الحاصل من
اليمن قد قل في زماننا فإن رقعة أرضه لم تصغر ، وهي لا تسع هذا العدد قياما كل واحد إلى جانب الآخر .
ثم إنهم قالوا : أنفقت على كوة بيتها التي تدخل الشمس منها فتسجد لها ثلاثمائة ألف أوقية من الذهب ، وقالوا غير ذلك ، وذكروا من أمر عرشها ما يناسب كثرة جيشها ، فلا نطول بذكره . وقد تواطئوا على الكذب والتلاعب بعقول الجهال واستهانوا بما يلحقهم من استجهال العقلاء لهم ، وإنما ذكرنا هذا على قبحه ليقف بعض من كان يصدق به عليه فينتهي إلى الحق .
وأما سبب مجيئها إلى
سليمان وإسلامها فإنه طلب الهدهد فلم يره ، وإنما طلبه لأن الهدهد يرى الماء من تحت الأرض فيعلم هل في تلك الأرض ماء أم لا ، وهل هو قريب أم بعيد ، فبينما
سليمان في بعض مغازيه احتاج إلى الماء فلم يعلم أحد ممن معه بعده ، فطلب الهدهد ليسأله عن ذلك فلم يره . وقيل : بل نزلت الشمس إلى
سليمان ، فنظر ليرى من أين نزلت لأن الطير كانت تظله ، فرأى موضع الهدهد فارغا ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين .
[ ص: 205 ] وكان الهدهد قد مر على قصر
بلقيس فرأى بستانا لها خلف قصرها ، فمال إلى الخضرة ، فرأى فيه هدهدا فقال له : أين أنت عن
سليمان وما تصنع ههنا ؟ فقال له : ومن
سليمان ؟ فذكر له حاله وما سخر له من الطير وغيره ، فعجب من ذلك . فقال له هدهد
سليمان : وأعجب من ذلك أن كثرة هؤلاء القوم تملكهم امرأة
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم . وجعلوا الشكر لله أن سجدوا للشمس من دونه ، وكان عرشها سريرا من ذهب ، مكلل بالجواهر النفيسة من اليواقيت والزبرجد واللؤلؤ .
ثم إن الهدهد عاد إلى
سليمان فأخبره بعذره في تأخيره ، فقال له : اذهب بكتابي هذا فألقه إليها ، فوافاها وهي في قصرها فألقاه في حجرها ، فأخذته وقرأته ، وأحضرت قومها وقالت :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=29إني ألقي إلي كتاب كريم nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=32ياأيها الملأ . . . .
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=32ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=33قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين قالت وإني مرسلة إليهم بهدية فإن قبلها فهو من ملوك الدنيا فنحن أعز منه وأقوى ، وإن لم يقبلها فهو نبي من الله .
فلما جاءت الهدية إلى
سليمان قال للرسل :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=36أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم - إلى قوله - :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=37وهم صاغرون ، فلما رجع الرسل إليها سارت إليه وأخذت معها الأقيال من قومها ، وهم القواد ، وقدمت عليه ، فلما قاربته وصارت منه على نحو فرسخ قال لأصحابه :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=38أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=39قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ،
[ ص: 206 ] يعني قبل أن تقوم في الوقت الذي تقصد فيه بيتك للغداء . قال
سليمان : أريد أسرع من ذلك . فـ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40قال الذي عنده علم من الكتاب - وهو
آصف بن برخيا ، وكان يعرف اسم الله الأعظم -
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ، وقال له انظر إلى السماء وأدم النظر فلا ترد طرفك حتى أحضره عندك . وسجد ودعا ، فرأى
سليمان العرش قد نبع من تحت سريره ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر إذ أتاني به قبل أن يرتد إلي طرفي
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40أم أكفر إذ جعل تحت يدي من هو أقدر مني على إحضاره .
فلما جاءت قيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=42أهكذا عرشك قالت كأنه هو ولقد تركته في حصون وعنده جنود تحفظه فكيف جاء إلى ههنا ؟
فقال
سليمان للشياطين : ابنوا لي صرحا تدخل علي فيه
بلقيس . فقال بعضهم : إن
سليمان قد سخر له ما سخر
وبلقيس ملكة
سبإ ينكحها فتلد غلاما فلا ننفك من العبودية أبدا ، وكانت امرأة شعراء الساقين ، فقال للشياطين : ابنوا له بنيانا يرى ذلك منها فلا يتزوجها ، فبنوا له صرحا من قوارير خضر وجعلوا له طوابيق من قوارير بيض ، فبقي كأنه الماء ، وجعلوا تحت الطوابيق صور دواب البحر من السمك وغيره ، وقعد
سليمان على كرسي ، ثم أمر فأدخلت
بلقيس عليه ، فلما أرادت أن تدخله ورأت صور السمك ودواب الماء حسبته لجة ماء فكشفت عن ساقيها لتدخل ، فلما رآها
سليمان صرف نظره عنها و قال
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين .
فاستشار
سليمان في شيء يزيل الشعر ولا يضر الجسد ، فعمل له الشياطين النورة ، فهي أول ما عملت النورة ،
[ ص: 207 ] ونكحها
سليمان وأحبها حبا شديدا وردها إلى ملكها
باليمن ، فكان يزورها كل شهر مرة يقيم عندها ثلاثة أيام .
وقيل : إنه أمرها أن تنكح رجلا من قومها فامتنعت وأنفت من ذلك فقال : لا يكون في الإسلام إلا ذلك . فقالت : إن كان لا بد من ذلك فزوجني
ذا تبع ملك
همدان ، فزوجه إياها ثم ردها إلى
اليمن ، وسلط زوجها
ذا تبع على الملك ، وأمر الجن من
أهل اليمن بطاعته ، فاستعملهم
ذو تبع ، فعملوا له عدة حصون
باليمن ، منها
سلحين ،
ومراوح ،
وفليون ،
وهنيدة ، وغيرها ، فلما مات
سليمان لم يطيعوا
ذا تبع وانقضى ملك
ذي تبع ، وملك
بلقيس مع ملك
سليمان .
وقيل : إن
بلقيس ماتت قبل
سليمان بالشام وإنه دفنها
بتدمر ، وأخفى قبرها .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=31969مَا جَرَى لَهُ مَعَ بِلْقِيسَ
نَذْكُرُ أَوَّلًا مَا قِيلَ فِي نَسَبِهَا وَمُلْكِهَا ، ثُمَّ مَا جَرَى لَهُ مَعَهَا ، فَنَقُولُ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْمِ آبَائِهَا ، فَقِيلَ : إِنَّهَا هِيَ
بِلْقَمَةُ ابْنَةُ لَيْشَرَحَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ سَبَإِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ ، وَقِيلَ : هِيَ
بِلْقَمَةُ ابْنَةُ هَادَدَ ، وَاسْمُهُ
لَيْشَرَحَ بْنُ تُبَّعٍ ذِي الْأَذْعَارِ بْنِ تُبَّعٍ ذِي الْمَنَارِ بْنِ تُبَّعٍ الرَّايِشِ ، وَقِيلَ فِي نَسَبِهَا غَيْرُ ذَلِكَ لَا حَاجَةَ إِلَى ذِكْرِهِ .
[ ص: 202 ] وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي التَّبَابِعَةِ وَتَقْدِيمِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَزِيَادَةٍ فِي عَدَدِهِمْ وَنُقْصَانٍ ، اخْتِلَافًا لَا يَحْصُلُ النَّاظِرُ فِيهِ عَلَى طَائِلٍ ، وَكَذَا أَيْضًا اخْتَلَفُوا فِي نَسَبِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الرُّوَاةِ : إِنَّ أُمَّهَا جِنِّيَّةٌ ابْنَةُ مَلِكِ الْجِنِّ وَاسْمُهَا
رَوَاحَةُ بَنَتُ السَّكَنِ . وَقِيلَ : اسْمُ أُمِّهَا
يَلْقَمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الْجِنِّيِّ ، وَإِنَّمَا نَكَحَ أَبُوهَا إِلَى الْجِنِّ لِأَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ فِي الْإِنْسِ لِي كُفُوَةٌ ، فَخَطَبَ إِلَى الْجِنِّ فَزَوَّجُوهُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ وُصُولِهِ إِلَى الْجِنِّ حَتَّى خَطَبَ إِلَيْهِمْ فَقِيلَ : إِنَّهُ كَانَ لَهِجًا بِالصَّيْدِ ، فَرُبَّمَا اصْطَادَ الْجِنَّ عَلَى صُوَرِ الظِّبَاءِ فَيُخَلِّي عَنْهُنَّ فَظَهَرَ لَهُ مَلَكُ الْجِنِّ وَشَكَرَهُ عَلَى ذَلِكَ وَاتَّخَذَهُ صَدِيقًا ، فَخَطَبَ ابْنَتَهُ ، فَأَنْكَحَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ سَاحِلَ الْبَحْرِ مَا بَيْنَ
يَبْرِينَ إِلَى
عَدَنَ ، وَقِيلَ : إِنَّ أَبَاهَا خَرَجَ يَوْمًا مُتَصَيِّدًا فَرَأَى حَيَّتَيْنِ تَقْتَتِلَانِ بَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ وَقَدْ ظَهَرَتِ السَّوْدَاءُ عَلَى الْبَيْضَاءِ فَأَمَرَ بِقَتْلِ السَّوْدَاءِ ، وَحَمَلَ الْبَيْضَاءَ وَصَبَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ، فَأَفَاقَتْ ، فَأَطْلَقَهَا وَعَادَ إِلَى دَارِهِ وَجَلَسَ مُنْفَرِدًا ، وَإِذَا مَعَهُ شَابٌّ جَمِيلٌ ، فَذُعِرَ مِنْهُ ، فَقَالَ لَهُ : لَا تَخَفْ أَنَا الْحَيَّةُ الَّتِي أَنْجَيْتَنِي ، وَالْأَسْوَدُ الَّذِي قَتَلْتَهُ غُلَامٌ لَنَا تَمَرَّدَ عَلَيْنَا وَقَتَلَ عِدَّةً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْمَالَ وَعِلْمَ الطِّبِّ ، فَقَالَ : أَمَّا الْمَالُ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهِ ، وَأَمَّا الطِّبُّ فَهُوَ قَبِيحٌ بِالْمَلِكِ ، وَلَكِنْ إِنْ كَانَ لَكَ بِنْتٌ فَزَوِّجْنِيهَا ، فَزَوَّجَهُ عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ عَلَيْهَا شَيْئًا تَعْمَلُهُ وَمَتَى غَيَّرَ عَلَيْهَا فَارَقَتْهُ ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ ، فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا فَأَلْقَتْهُ فِي النَّارِ فَجَزَعَ لِذَلِكَ وَسَكَتَ لِلشَّرْطِ ، ثُمَّ حَمَلَتْ مِنْهُ فَوَلَدَتْ جَارِيَةً فَأَلْقَتْهَا إِلَى كَلْبَةٍ فَأَخَذَتْهَا ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَصَبَرَ لِلشَّرْطِ ، ثُمَّ إِنَّهُ عَصَى عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَجَمَعَ عَسْكَرَهُ فَسَارَ إِلَيْهِ لِيُقَاتِلَهُ وَهِيَ مَعَهُ ، فَانْتَهَى إِلَى مَفَازَةٍ ، فَلَمَّا تَوَسَّطَهَا
[ ص: 203 ] رَأَى جَمِيعَ مَا مَعَهُمْ مِنَ الزَّادِ يُخْلَطُ بِالتُّرَابِ ، وَإِذَا الْمَاءُ يُصَبُّ مِنَ الْقِرَبِ وَالْمَزَاوِدِ . فَأَيْقَنُوا بِالْهَلَاكِ وَعَلِمُوا أَنَّهُ مِنْ فِعَالِ الْجِنِّ عَنْ أَمْرِ زَوْجَتِهِ فَضَاقَ ذَرْعًا عَنْ حَمْلِ ذَلِكَ ، فَأَتَاهَا وَجَلَسَ وَأَوْمَأَ إِلَى الْأَرْضِ وَقَالَ : يَا أَرْضُ ، صَبَرْتُ لَكِ عَلَى إِحْرَاقِ ابْنِي وَإِطْعَامِ الْكَلْبَةِ ابْنَتِي ، ثُمَّ أَنْتِ الْآنَ قَدْ فَجَعْتِنَا بِالزَّادِ وَالْمَاءِ وَقَدْ أَشْرَفْنَا عَلَى الْهَلَاكِ !
فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ : لَوْ صَبَرْتَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ ، وَسَأُخْبِرُكَ : إِنَّ عَدُوَّكَ خَدَعَ وَزِيرَكَ فَجَعَلَ السُّمَّ فِي الْأَزْوَادِ وَالْمِيَاهِ لِيَقْتُلَكَ وَأَصْحَابَكَ ، فَمُرْ وَزِيرَكَ لِيَشْرَبَ مِنَ الْمَاءِ وَيَأْكُلَ مِنَ الزَّادِ ، فَأَمَرَهُ فَامْتَنَعَ ، فَقَتَلَهُ ، وَدَلَّتْهُمْ عَلَى الْمَاءِ وَالْمِيرَةِ مِنْ قَرِيبٍ وَقَالَتْ : أَمَّا ابْنُكَ فَدَفَعْتُهُ إِلَى حَاضِنَةٍ تُرَبِّيهِ وَقَدْ مَاتَ ، وَأَمَّا ابْنَتُكَ فَهِيَ بَاقِيَةٌ ، وَإِذَا بِجُوَيْرِيَةٍ قَدْ خَرَجَتْ مِنَ الْأَرْضِ ، وَهِيَ
بِلْقِيسُ ، وَفَارَقَتْهُ امْرَأَتُهُ وَسَارَ إِلَى عَدُوِّهِ فَظَفِرَ بِهِ .
وَقِيلَ فِي سَبَبِ نِكَاحِهِ إِلَيْهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَالْجَمِيعُ حَدِيثُ خُرَافَةٍ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا حَقِيقَةَ .
وَأَمَّا مُلْكُهَا
الْيَمَنَ فَقِيلَ : إِنَّ أَبَاهَا فَوَّضَ إِلَيْهَا الْمُلْكَ فَمَلَكَتْ بَعْدَهُ ، وَقِيلَ : بَلْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ بِالْمُلْكِ لِأَحَدٍ فَأَقَامَ النَّاسُ ابْنَ أَخٍ لَهُ ، وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا فَاسِقًا لَا يَبْلُغُهُ عَنْ بِنْتِ قَيْلٍ وَلَا مَلِكٍ ذَاتِ جَمَالٍ إِلَّا أَحْضَرَهَا وَفَضَحَهَا ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى
بِلْقِيسَ بِنْتِ عَمِّهِ ، فَأَرَادَ ذَلِكَ مِنْهَا فَوَعَدَتْهُ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَهَا إِلَى قَصْرِهَا وَأَعَدَّتْ لَهُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَقَارِبِهَا وَأَمَرَتْهُمَا بِقَتْلِهِ إِذَا دَخَلَ إِلَيْهَا وَانْفَرَدَ بِهَا ، فَلَمَّا دَخَلَ إِلَيْهَا وَثَبَا عَلَيْهِ فَقَتَلَاهُ . فَلَمَّا قُتِلَ أَحْضَرَتْ وُزَرَاءَهُ فَقَرَّعَتْهُمْ ، فَقَالَتْ : أَمَا كَانَ فِيكُمْ مَنْ يَأْنَفُ لِكَرِيمَتِهِ ، وَكَرَائِمِ عَشِيرَتِهِ ! ثُمَّ أَرَتْهُمْ إِيَّاهُ قَتِيلًا ، وَقَالَتِ : اخْتَارُوا رَجُلًا تُمَلِّكُونَهُ . فَقَالُوا : لَا نَرْضَى بِغَيْرِكِ ، فَمَلَّكُوهَا .
وَقِيلَ : إِنَّ أَبَاهَا لَمْ يَكُنْ مَلِكًا ، وَإِنَّمَا كَانَ وَزِيرَ الْمَلِكِ ، وَكَانَ الْمَلِكُ خَبِيثًا ، قَبِيحَ السِّيرَةِ يَأْخُذُ بَنَاتِ الْأَقْيَالِ ، وَالْأَعْيَانِ ، وَالْأَشْرَافِ ، وَإِنَّهَا قَتَلَتْهُ ، فَمَلَّكَهَا النَّاسُ عَلَيْهِمْ .
وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَظَّمُوا مُلْكَهَا وَكَثْرَةِ جُنْدِهَا فَقِيلَ : كَانَ تَحْتَ يَدِهَا أَرْبَعُمِائَةِ مَلِكٍ ، كُلُّ مَلِكٍ مِنْهُمْ عَلَى كُورَةٍ ، مَعَ كُلِّ مَلِكٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ ، وَكَانَ لَهَا ثَلَاثُمِائَةِ وَزِيرٍ يَتَدَبَّرُونَ مُلْكَهَا ، وَكَانَ لَهَا اثْنَا عَشَرَ قَائِدًا يَقُودُ كُلُّ قَائِدٍ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ .
[ ص: 204 ] وَبَالَغَ آخَرُونَ مُبَالَغَةً تَدُلُّ عَلَى سُخْفِ عُقُولِهِمْ وَجَهْلِهِمْ ، قَالُوا : كَانَ لَهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَيْلٍ ، تَحْتَ يَدِ كُلِّ قَيْلٍ مِائَةُ أَلْفٍ مُقَاتِلٍ ، مَعَ كُلِّ مُقَاتِلٍ سَبْعُونَ أَلْفَ جَيْشٍ ، فِي كُلِّ جَيْشٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مُبَارِزٍ ، لَيْسَ فِيهِمْ إِلَّا أَبْنَاءُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً . وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ رَاوِي هَذَا الْكَذِبِ الْفَاحِشِ عَرَفَ الْحِسَابَ حَتَّى يَعْلَمَ مِقْدَارَ جَهْلِهِ ، وَلَوْ عَرَفَ مَبْلَغَ الْعَدَدِ لَأَقْصَرَ عَنْ إِقْدَامِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ السَّخِيفِ ، فَإِنَّ أَهْلَ الْأَرْضِ لَا يَبْلُغُونَ جَمِيعُهُمْ ، شَبَابُهُمْ وَشُيُوخُهُمْ ، وَصِبْيَانُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ هَذَا الْعَدَدَ ، فَكَيْفَ أَنْ يَكُونُوا أَبْنَاءَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً ! فَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَمْ يَكُونُ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَسْنَانِهِمْ ، وَكَمْ تَكُونُ الرَّعِيَّةُ وَأَرْبَابُ الْحِرَفِ وَالْفِلَاحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا الْجُنْدُ بَعْضُ أَهْلِ الْبِلَادِ ، وَإِنْ كَانَ الْحَاصِلُ مِنَ
الْيَمَنِ قَدْ قَلَّ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّ رُقْعَةَ أَرْضِهِ لَمْ تَصْغُرْ ، وَهِيَ لَا تَسَعُ هَذَا الْعَدَدَ قِيَامًا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى جَانِبِ الْآخَرِ .
ثُمَّ إِنَّهُمْ قَالُوا : أَنْفَقَتْ عَلَى كُوَّةِ بَيْتِهَا الَّتِي تَدْخُلُ الشَّمْسُ مِنْهَا فَتَسْجُدُ لَهَا ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ أُوقِيَّةٍ مِنَ الذَّهَبِ ، وَقَالُوا غَيْرَ ذَلِكَ ، وَذَكَرُوا مِنْ أَمْرِ عَرْشِهَا مَا يُنَاسِبُ كَثْرَةَ جَيْشِهَا ، فَلَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهِ . وَقَدْ تَوَاطَئُوا عَلَى الْكَذِبِ وَالتَّلَاعُبِ بِعُقُولِ الْجُهَّالِ وَاسْتَهَانُوا بِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنَ اسْتِجْهَالِ الْعُقَلَاءِ لَهُمْ ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا عَلَى قُبْحِهِ لِيَقِفَ بَعْضُ مَنْ كَانَ يُصَدِّقُ بِهِ عَلَيْهِ فَيَنْتَهِيَ إِلَى الْحَقِّ .
وَأَمَّا سَبَبُ مَجِيئِهَا إِلَى
سُلَيْمَانَ وَإِسْلَامِهَا فَإِنَّهُ طَلَبَ الْهُدْهُدَ فَلَمْ يَرَهُ ، وَإِنَّمَا طَلَبَهُ لِأَنَّ الْهُدْهُدَ يَرَى الْمَاءَ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ فَيَعْلَمُ هَلْ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ مَاءٌ أَمْ لَا ، وَهَلْ هُوَ قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ، فَبَيْنَمَا
سُلَيْمَانُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ احْتَاجَ إِلَى الْمَاءِ فَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ مِمَّنْ مَعَهُ بُعْدَهُ ، فَطَلَبَ الْهُدْهُدَ لِيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَهُ . وَقِيلَ : بَلْ نَزَلَتِ الشَّمْسُ إِلَى
سُلَيْمَانَ ، فَنَظَرَ لِيَرَى مِنْ أَيْنَ نَزَلَتْ لِأَنَّ الطَّيْرَ كَانَتْ تُظِلُّهُ ، فَرَأَى مَوْضِعَ الْهُدْهُدِ فَارِغًا ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ .
[ ص: 205 ] وَكَانَ الْهُدْهُدُ قَدْ مَرَّ عَلَى قَصْرِ
بِلْقِيسَ فَرَأَى بُسْتَانًا لَهَا خَلْفَ قَصْرِهَا ، فَمَالَ إِلَى الْخُضْرَةِ ، فَرَأَى فِيهِ هُدْهُدًا فَقَالَ لَهُ : أَيْنَ أَنْتَ عَنْ
سُلَيْمَانَ وَمَا تَصْنَعُ هَهُنَا ؟ فَقَالَ لَهُ : وَمَنْ
سُلَيْمَانُ ؟ فَذَكَرَ لَهُ حَالَهُ وَمَا سُخِّرَ لَهُ مِنَ الطَّيْرِ وَغَيْرِهِ ، فَعَجِبَ مِنْ ذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ هُدْهُدُ
سُلَيْمَانَ : وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كَثْرَةَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ . وَجَعَلُوا الشُّكْرَ لِلَّهِ أَنْ سَجَدُوا لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِهِ ، وَكَانَ عَرْشُهَا سَرِيرًا مِنْ ذَهَبٍ ، مُكَلَّلٌ بِالْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ مِنَ الْيَوَاقِيتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَاللُّؤْلُؤِ .
ثُمَّ إِنَّ الْهُدْهُدَ عَادَ إِلَى
سُلَيْمَانَ فَأَخْبَرَهُ بِعُذْرِهِ فِي تَأْخِيرِهِ ، فَقَالَ لَهُ : اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهَا ، فَوَافَاهَا وَهِيَ فِي قَصْرِهَا فَأَلْقَاهُ فِي حِجْرِهَا ، فَأَخَذَتْهُ وَقَرَأَتْهُ ، وَأَحْضَرَتْ قَوْمَهَا وَقَالَتْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=29إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=32يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ . . . .
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=32مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=33قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ قَالَتْ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَإِنْ قَبِلَهَا فَهُوَ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَنَحْنُ أَعَزُّ مِنْهُ وَأَقْوَى ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا فَهُوَ نَبِيٌّ مِنَ اللَّهِ .
فَلَمَّا جَاءَتِ الْهَدِيَّةُ إِلَى
سُلَيْمَانَ قَالَ لِلرُّسُلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=36أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ - إِلَى قَوْلِهِ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=37وَهُمْ صَاغِرُونَ ، فَلَمَّا رَجَعَ الرُّسُلُ إِلَيْهَا سَارَتْ إِلَيْهِ وَأَخَذَتْ مَعَهَا الْأَقْيَالَ مِنْ قَوْمِهَا ، وَهُمُ الْقُوَّادُ ، وَقَدِمَتْ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا قَارَبَتْهُ وَصَارَتْ مِنْهُ عَلَى نَحْوِ فَرْسَخٍ قَالَ لِأَصْحَابِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=38أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=39قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ،
[ ص: 206 ] يَعْنِي قَبْلَ أَنْ تَقُومَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَقْصِدُ فِيهِ بَيْتَكَ لِلْغَدَاءِ . قَالَ
سُلَيْمَانُ : أُرِيدُ أَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ . فَـ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ - وَهُوَ
آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا ، وَكَانَ يَعْرِفُ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ -
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ، وَقَالَ لَهُ انْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ وَأَدِمِ النَّظَرَ فَلَا تَرُدَّ طَرْفَكَ حَتَّى أُحْضِرَهُ عِنْدَكَ . وَسَجَدَ وَدَعَا ، فَرَأَى
سُلَيْمَانُ الْعَرْشَ قَدْ نَبَعَ مِنْ تَحْتِ سَرِيرِهِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ إِذْ أَتَانِي بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيَّ طَرْفِي
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40أَمْ أَكْفُرُ إِذْ جَعَلَ تَحْتَ يَدِي مَنْ هُوَ أَقْدَرُ مِنِّي عَلَى إِحْضَارِهِ .
فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=42أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَلَقَدْ تَرَكْتُهُ فِي حُصُونٍ وَعِنْدَهُ جُنُودٌ تَحْفَظُهُ فَكَيْفَ جَاءَ إِلَى هَهُنَا ؟
فَقَالَ
سُلَيْمَانُ لِلشَّيَاطِينِ : ابْنُوا لِي صَرْحًا تَدْخُلُ عَلَيَّ فِيهِ
بِلْقِيسُ . فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ
سُلَيْمَانَ قَدْ سُخِّرَ لَهُ مَا سُخِّرَ
وَبِلْقِيسُ مَلِكَةُ
سَبَإٍ يَنْكِحُهَا فَتَلِدُ غُلَامًا فَلَا نَنْفَكُّ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ أَبَدًا ، وَكَانَتِ امْرَأَةً شَعْرَاءَ السَّاقَيْنِ ، فَقَالَ لِلشَّيَاطِينِ : ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا يُرَى ذَلِكَ مِنْهَا فَلَا يَتَزَوَّجُهَا ، فَبَنَوْا لَهُ صَرْحًا مِنْ قَوَارِيرَ خُضْرٍ وَجَعَلُوا لَهُ طَوَابِيقَ مِنْ قَوَارِيرَ بِيضٍ ، فَبَقِيَ كَأَنَّهُ الْمَاءُ ، وَجَعَلُوا تَحْتَ الطَّوَابِيقِ صُوَرَ دَوَابِّ الْبَحْرِ مِنَ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ ، وَقَعَدَ
سُلَيْمَانُ عَلَى كُرْسِيٍّ ، ثُمَّ أَمَرَ فَأُدْخِلَتْ
بِلْقِيسُ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَدْخُلَهُ وَرَأَتْ صُوَرَ السَّمَكِ وَدَوَابَّ الْمَاءِ حَسِبَتْهُ لُجَّةَ مَاءٍ فَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا لِتَدْخُلَ ، فَلَمَّا رَآهَا
سُلَيْمَانُ صَرَفَ نَظَرَهُ عَنْهَا وَ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
فَاسْتَشَارَ
سُلَيْمَانُ فِي شَيْءٍ يُزِيلُ الشَّعَرَ وَلَا يَضُرُّ الْجَسَدَ ، فَعَمِلَ لَهُ الشَّيَاطِينُ النُّورَةَ ، فَهِيَ أَوَّلُ مَا عَمِلَتِ النُّورَةَ ،
[ ص: 207 ] وَنَكَحَهَا
سُلَيْمَانُ وَأَحَبَّهَا حُبًّا شَدِيدًا وَرَدَّهَا إِلَى مُلْكِهَا
بِالْيَمَنِ ، فَكَانَ يَزُورُهَا كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً يُقِيمُ عِنْدَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ .
وَقِيلَ : إِنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَنْكِحَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِهَا فَامْتَنَعَتْ وَأَنِفَتْ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ : لَا يَكُونُ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا ذَلِكَ . فَقَالَتْ : إِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ فَزَوِّجْنِي
ذَا تُبَّعٍ مَلِكَ
هَمْدَانَ ، فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى
الْيَمَنِ ، وَسَلَّطَ زَوْجَهَا
ذَا تُبَّعٍ عَلَى الْمُلْكِ ، وَأَمَرَ الْجِنَّ مِنْ
أَهْلِ الْيَمَنِ بِطَاعَتِهِ ، فَاسْتَعْمَلَهُمْ
ذُو تُبَّعٍ ، فَعَمِلُوا لَهُ عِدَّةَ حُصُونٍ
بِالْيَمَنِ ، مِنْهَا
سَلَحِينُ ،
وَمَرَاوِحُ ،
وَفِلْيُونُ ،
وَهُنَيْدَةُ ، وَغَيْرُهَا ، فَلَمَّا مَاتَ
سُلَيْمَانُ لَمْ يُطِيعُوا
ذَا تُبَّعٍ وَانْقَضَى مُلْكُ
ذِي تُبَّعٍ ، وَمُلْكُ
بِلْقِيسَ مَعَ مُلْكِ
سُلَيْمَانَ .
وَقِيلَ : إِنَّ
بِلْقِيسَ مَاتَتْ قَبْلَ
سُلَيْمَانَ بِالشَّامِ وَإِنَّهُ دَفَنَهَا
بِتَدْمُرَ ، وَأَخْفَى قَبْرَهَا .