ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=31969غزوته أبا زوجته جرادة ونكاحها ، وعبادة الصنم في داره ، وأخذ خاتمه ، وعوده إليه
قيل : سمع
سليمان بملك في جزيرة من جزائر البحر وشدة ملكه ، وعظم شأنه ، ولم يكن للناس إليه سبيل ، فخرج
سليمان إلى تلك الجزيرة وحملته الريح حتى نزل بجنوده بها فقتل ملكها وغنم ما فيها وغنم بنتا للملك لم ير الناس مثلها حسنا وجمالا فاصطفاها لنفسه ودعاها للإسلام ، فأسلمت على قلة رغبة فيه ، وأحبها حبا شديدا ، وكانت لا يذهب حزنها ولا تزال تبكي ، فقال لها : ويحك ما هذا الحزن ، والدمع الذي لا يرقأ ؟ قالت : إني أذكر أبي وملكه وما أصابه فيحزنني ذلك . قال : فقد أبدلك الله ملكا خيرا من ملكه وهداك إلى الإسلام . قالت : إنه كذلك ولكني إذا ذكرته أصابني ما ترى ، فلو أمرت الشياطين فصوروا صورته في داري أراها بكرة وعشية لرجوت أن يذهب ذلك حزني .
[ ص: 208 ] فأمر الشياطين فعملوا لها مثل صورته لا تنكر منها شيئا ، وألبستها ثيابا مثل ثياب أبيها ، وكانت إذا خرج
سليمان من دارها تغدو عليه في جواريها فتسجد له ويسجدن معها ، وتروح عشية ويرحن ، فتفعل مثل ذلك ، ولا يعلم
سليمان بشيء من أمرها أربعين صباحا .
وبلغ الخبر
آصف بن برخيا ، وكان صديقا ، وكان لا يرد من منازل
سليمان أي وقت أراد من ليل أو نهار سواء كان
سليمان حاضرا أو غائبا . فأتاه ، فقال : يا نبي الله قد كبر سني ودق عظمي ، وقد حان مني ذهاب عمري وقد أحببت أن أقوم مقاما أذكر فيه أنبياء الله وأثني عليهم بعلمي فيهم ، وأعلم الناس بعض ما يجهلون . قال : افعل . فجمع له
سليمان الناس ، فقام
آصف خطيبا فيهم فذكر من مضى من الأنبياء وأثنى عليهم حتى انتهى إلى
سليمان ، فقال : ما كان أحلمك في صغرك ، وأبعدك من كل ما يكره في صغرك . ثم انصرف .
فملئ
سليمان غضبا ، فأرسل إليه وقال له : يا
آصف لما ذكرتني جعلت تثني علي في صغري وسكت عما سوى ذلك ، فما الذي أحدثت في آخر أمري ؟ قال : إن غير الله ليعبد في دارك أربعين يوما في هوى امرأة . قال إنا لله وإنا إليه راجعون لقد علمت أنك ما قلت إلا عن شيء بلغك ، ودخل داره وكسر الصنم وعاقب تلك المرأة وجواريها . ثم أمر بثياب الطهارة فأتي بها ، وهي ثياب تغزلها الأبكار اللائي لم يحضن ولم تمسها امرأة ذات دم ، فلبسها وخرج إلى الصحراء ، وفرش الرماد ، ثم أقبل تائبا إلى الله وتمعك في الرماد بثيابه تذللا لله تعالى وتضرعا ، وبكى واستغفر يومه ذلك ثم عاد إلى داره .
وكانت أم ولد له لا يثق إلا بها يسلم خاتمه إليها ، وكان لا ينزعه إلا عند دخوله الخلاء ، وإذا أراد يصيب امرأة فيسلمه إليها حتى يتطهر ، وكان ملكه في خاتمه ، فدخل في بعض تلك الأيام الخلاء وسلم خاتمه إليها ، فأتاها شيطان اسمه صخر في صورة
سليمان فأخذ الخاتم وخرج إلى كرسي
سليمان ، وهو في صورة
سليمان ، فجلس عليه ، وعكفت عليه الإنس والجن والطير . وخرج
سليمان وقد تغيرت حالته وهيئته ، فقال : خاتمي ! قالت : ومن أنت ؟ قال : أنا
سليمان . قالت : كذبت لست
[ ص: 209 ] بسليمان ! قد جاء
سليمان وأخذ خاتمه مني وهو جالس على سريره ! فعرف
سليمان خطيئته فخرج وجعل يقول
لبني إسرائيل : أنا
سليمان ، فيحثون عليه التراب ، فلما رأى ذلك قصد البحر وجعل ينقل سمك الصيادين ويعطونه كل يوم سمكتين يبيع إحداهما بخبز ويأكل الأخرى ، فبقي كذلك أربعين يوما .
ثم إن
آصف وعظماء
بني إسرائيل أنكروا حكم الشيطان المشتبه
بسليمان ، فقال
آصف : يا
بني إسرائيل ، هل رأيتم من اختلاف حكم
سليمان ما رأيت ؟ قالوا : نعم . قال : أمهلوني حتى أدخل على نسائه وأسألهن هل أنكرن ما أنكرنا منه . فدخل عليهن وسألهن ، فذكرن أشد مما عنده ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إن هذا لهو البلاء المبين .
ثم خرج إلى
بني إسرائيل فأخبرهم ، فلما رأى الشيطان أنهم قد علموا به طار من مجلسه فمر بالبحر فألقى الخاتم فيه ، فبلعته سمكة ، واصطادها صياد ، وحمل له
سليمان يومه ذلك فأعطاه سمكتين ، تلك السمكة إحداهما . فأخذها فشقها ليصلحها ، ويأكلها فرأى خاتمه في جوفها ، فأخذه وجعله في إصبعه وخر لله ساجدا ، وعكفت عليه الإنس والجن والطير ، وأقبل عليه الناس ورجع إلى ملكه ، وأظهر التوبة من ذنبه ، وبث الشياطين في إحضار صخر الذي أخذ الخاتم ، فأحضروه ، فثقب له صخرة ، وجعله فيها وسد النقب بالحديد والرصاص ، وألقاه في البحر .
وكان مقامه في الملك أربعين يوما ، بمقدار عبادة الصنم في دار
سليمان .
وقيل : كان السبب في ذهاب ملكه أن امرأة له كانت أبر نسائه عنده تسمى
جرادة ولا يأتمن على خاتمه سواها ، فقالت له : إن أخي بينه وبين فلان حكومة ، وأنا أحب أن تقضي له . فقال : أفعل ، ولم يفعل ، فابتلي ، وأعطاها خاتمه ، ودخل الخلاء ، فخرج الشيطان في صورته فأخذه ، وخرج
سليمان بعده فطلب الخاتم ، فقالت : ألم تأخذه ؟ قال : لا ، وخرج من مكانه تائها وبقي الشيطان أربعين يوما يحكم بين الناس ، ففطنوا له وأحدقوا به ونشروا التوراة فقرءوها ، فطار من بين أيديهم ، وألقى الخاتم في البحر ، فابتلعه حوت ، ثم إن
سليمان قصد صيادا وهو جائع فاستطعمه ، وقال : أنا
سليمان ، فكذبه ، وضربه فشجه ، فجعل يغسل الدم ، فلام الصيادون صاحبهم ، وأعطوه سمكتين
[ ص: 210 ] إحداهما التي ابتلعت الخاتم ، فشق بطنها ، وأخذ الخاتم ، فرد الله إليه ملكه ، فاعتذروا إليه ، فقال : لا أحمدكم على عذركم ولا ألومكم على ما كان منكم .
وسخر الله له الجن والشياطين والريح ، ولم يكن سخرها له قبل ذلك ، وهو أشبه بظاهر القرآن ، وهو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=36فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=37والشياطين كل بناء وغواص nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=38وآخرين مقرنين في الأصفاد .
وقيل في سبب زوال ملكه غير ذلك ، والله أعلم .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=31969غَزْوَتِهِ أَبَا زَوْجَتِهِ جَرَادَةَ وَنِكَاحِهَا ، وَعِبَادَةِ الصَّنَمِ فِي دَارِهِ ، وَأَخْذِ خَاتَمِهِ ، وَعَوْدِهِ إِلَيْهِ
قِيلَ : سَمِعَ
سُلَيْمَانُ بِمَلِكٍ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ وَشِدَّةِ مُلْكِهِ ، وَعِظَمِ شَأْنِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ إِلَيْهِ سَبِيلٌ ، فَخَرَجَ
سُلَيْمَانُ إِلَى تِلْكَ الْجَزِيرَةِ وَحَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى نَزَلَ بِجُنُودِهِ بِهَا فَقَتَلَ مَلِكَهَا وَغَنِمَ مَا فِيهَا وَغَنِمَ بِنْتًا لِلْمَلِكِ لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهَا حُسْنًا وَجَمَالًا فَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ وَدَعَاهَا لِلْإِسْلَامِ ، فَأَسْلَمَتْ عَلَى قِلَّةِ رَغْبَةٍ فِيهِ ، وَأَحَبَّهَا حُبًّا شَدِيدًا ، وَكَانَتْ لَا يَذْهَبُ حُزْنُهَا وَلَا تَزَالُ تَبْكِي ، فَقَالَ لَهَا : وَيْحَكِ مَا هَذَا الْحُزْنُ ، وَالدَّمْعُ الَّذِي لَا يَرْقَأُ ؟ قَالَتْ : إِنِّي أَذْكُرُ أَبِي وَمُلْكَهُ وَمَا أَصَابَهُ فَيُحْزِنُنِي ذَلِكَ . قَالَ : فَقَدْ أَبْدَلَكِ اللَّهُ مُلْكًا خَيْرًا مِنْ مُلْكِهِ وَهَدَاكِ إِلَى الْإِسْلَامِ . قَالَتْ : إِنَّهُ كَذَلِكَ وَلَكِنِّي إِذَا ذَكَرْتُهُ أَصَابَنِي مَا تَرَى ، فَلَوْ أَمَرْتَ الشَّيَاطِينَ فَصَوَّرُوا صُورَتَهُ فِي دَارِي أَرَاهَا بِكُرَةً وَعَشِيَّةً لَرَجَوْتُ أَنْ يُذْهِبَ ذَلِكَ حُزْنِي .
[ ص: 208 ] فَأَمَرَ الشَّيَاطِينَ فَعَمِلُوا لَهَا مِثْلَ صُورَتِهِ لَا تُنْكِرُ مِنْهَا شَيْئًا ، وَأَلْبَسَتْهَا ثِيَابًا مِثْلَ ثِيَابِ أَبِيهَا ، وَكَانَتْ إِذَا خَرَجَ
سُلَيْمَانُ مِنْ دَارِهَا تَغْدُو عَلَيْهِ فِي جَوَارِيهَا فَتَسْجُدُ لَهُ وَيَسْجُدْنَ مَعَهَا ، وَتَرُوحُ عَشِيَّةً وَيَرُحْنَ ، فَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَلَا يَعْلَمُ
سُلَيْمَانُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا .
وَبَلَغَ الْخَبَرُ
آصَفَ بْنَ بَرْخِيَّا ، وَكَانَ صَدِيقًا ، وَكَانَ لَا يَرِدُ مِنْ مَنَازِلِ
سُلَيْمَانَ أَيَّ وَقْتٍ أَرَادَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ سَوَاءٌ كَانَ
سُلَيْمَانُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا . فَأَتَاهُ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ كَبِرَ سِنِّي وَدَقَّ عَظْمِي ، وَقَدْ حَانَ مِنِّي ذَهَابُ عُمُرِي وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَقُومَ مَقَامًا أَذْكُرُ فِيهِ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ وَأُثْنِي عَلَيْهِمْ بِعِلْمِي فِيهِمْ ، وَأُعَلِّمُ النَّاسَ بَعْضَ مَا يَجْهَلُونَ . قَالَ : افْعَلْ . فَجَمَعَ لَهُ
سُلَيْمَانُ النَّاسَ ، فَقَامَ
آصَفُ خَطِيبًا فِيهِمْ فَذَكَرَ مَنْ مَضَى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ حَتَّى انْتَهَى إِلَى
سُلَيْمَانَ ، فَقَالَ : مَا كَانَ أَحْلَمَكَ فِي صِغَرِكَ ، وَأَبْعَدَكَ مِنْ كُلِّ مَا يُكْرَهُ فِي صِغَرِكَ . ثُمَّ انْصَرَفَ .
فَمُلِئَ
سُلَيْمَانُ غَضَبًا ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ : يَا
آصَفُ لَمَّا ذَكَرْتَنِي جَعَلْتَ تُثْنِي عَلَيَّ فِي صِغَرِي وَسَكَتَّ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ ، فَمَا الَّذِي أَحْدَثْتُ فِي آخِرِ أَمْرِي ؟ قَالَ : إِنَّ غَيْرَ اللَّهِ لَيُعْبَدُ فِي دَارِكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي هَوَى امْرَأَةٍ . قَالَ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ مَا قُلْتُ إِلَّا عَنْ شَيْءٍ بَلَغَكَ ، وَدَخَلَ دَارَهُ وَكَسَرَ الصَّنَمَ وَعَاقَبَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ وَجَوَارِيَهَا . ثُمَّ أَمَرَ بِثِيَابِ الطَّهَارَةِ فَأُتِيَ بِهَا ، وَهِيَ ثِيَابٌ تَغْزِلُهَا الْأَبْكَارُ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَلَمْ تَمَسَّهَا امْرَأَةٌ ذَاتُ دَمٍ ، فَلَبِسَهَا وَخَرَجَ إِلَى الصَّحْرَاءِ ، وَفَرَشَ الرَّمَادَ ، ثُمَّ أَقْبَلَ تَائِبًا إِلَى اللَّهِ وَتَمَعَّكَ فِي الرَّمَادِ بِثِيَابِهِ تَذَلُّلًا لِلَّهِ تَعَالَى وَتَضَرُّعًا ، وَبَكَى وَاسْتَغْفَرَ يَوْمَهُ ذَلِكَ ثُمَّ عَادَ إِلَى دَارِهِ .
وَكَانَتْ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ لَا يَثِقُ إِلَّا بِهَا يُسَلِّمُ خَاتَمَهُ إِلَيْهَا ، وَكَانَ لَا يَنْزِعُهُ إِلَّا عِنْدَ دُخُولِهِ الْخَلَاءَ ، وَإِذَا أَرَادَ يُصِيبُ امْرَأَةً فَيُسَلِّمُهُ إِلَيْهَا حَتَّى يَتَطَهَّرَ ، وَكَانَ مُلْكُهُ فِي خَاتَمِهِ ، فَدَخَلَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَيَّامِ الْخَلَاءَ وَسَلَّمَ خَاتَمَهُ إِلَيْهَا ، فَأَتَاهَا شَيْطَانٌ اسْمُهُ صَخْرٌ فِي صُورَةِ
سُلَيْمَانَ فَأَخَذَ الْخَاتَمَ وَخَرَجَ إِلَى كُرْسِيِّ
سُلَيْمَانَ ، وَهُوَ فِي صُورَةِ
سُلَيْمَانَ ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ ، وَعَكَفَتْ عَلَيْهِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالطَّيْرُ . وَخَرَجَ
سُلَيْمَانُ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ حَالَتُهُ وَهَيْئَتُهُ ، فَقَالَ : خَاتَمِي ! قَالَتْ : وَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا
سُلَيْمَانُ . قَالَتْ : كَذَبْتَ لَسْتَ
[ ص: 209 ] بِسُلَيْمَانَ ! قَدْ جَاءَ
سُلَيْمَانُ وَأَخَذَ خَاتَمَهُ مِنِّي وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى سَرِيرِهِ ! فَعَرَفَ
سُلَيْمَانُ خَطِيئَتَهُ فَخَرَجَ وَجَعَلَ يَقُولُ
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ : أَنَا
سُلَيْمَانُ ، فَيَحْثُونَ عَلَيْهِ التُّرَابَ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَصَدَ الْبَحْرَ وَجَعَلَ يَنْقُلُ سَمَكَ الصَّيَّادِينَ وَيُعْطُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ سَمَكَتَيْنِ يَبِيعُ إِحْدَاهُمَا بِخُبْزٍ وَيَأْكُلُ الْأُخْرَى ، فَبَقِيَ كَذَلِكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا .
ثُمَّ إِنَّ
آصَفَ وَعُظَمَاءَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْكَرُوا حُكْمَ الشَّيْطَانِ الْمُشْتَبَهِ
بِسُلَيْمَانَ ، فَقَالَ
آصَفُ : يَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، هَلْ رَأَيْتُمْ مِنَ اخْتِلَافِ حُكْمِ
سُلَيْمَانَ مَا رَأَيْتُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : أَمْهِلُونِي حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى نِسَائِهِ وَأَسْأَلَهُنَّ هَلْ أَنْكَرْنَ مَا أَنْكَرْنَا مِنْهُ . فَدَخَلَ عَلَيْهِنَّ وَسَأَلَهُنَّ ، فَذَكَرْنَ أَشَدَّ مِمَّا عِنْدَهُ ، فَقَالَ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ .
ثُمَّ خَرَجَ إِلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَخْبَرَهُمْ ، فَلَمَّا رَأَى الشَّيْطَانُ أَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا بِهِ طَارَ مِنْ مَجْلِسِهِ فَمَرَّ بِالْبَحْرِ فَأَلْقَى الْخَاتَمَ فِيهِ ، فَبَلَعَتْهُ سَمَكَةٌ ، وَاصْطَادَهَا صَيَّادٌ ، وَحَمَلَ لَهُ
سُلَيْمَانُ يَوْمَهُ ذَلِكَ فَأَعْطَاهُ سَمَكَتَيْنِ ، تِلْكَ السَّمَكَةُ إِحْدَاهُمَا . فَأَخَذَهَا فَشَقَّهَا لِيُصْلِحَهَا ، وَيَأْكُلَهَا فَرَأَى خَاتَمَهُ فِي جَوْفِهَا ، فَأَخَذَهُ وَجَعَلَهُ فِي إِصْبُعِهِ وَخَرَّ لِلَّهِ سَاجِدًا ، وَعَكَفَتْ عَلَيْهِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالطَّيْرُ ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَرَجَعَ إِلَى مُلْكِهِ ، وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَبَثَّ الشَّيَاطِينَ فِي إِحْضَارِ صَخْرٍ الَّذِي أَخَذَ الْخَاتَمَ ، فَأَحْضَرُوهُ ، فَثَقَبَ لَهُ صَخْرَةً ، وَجَعَلَهُ فِيهَا وَسَدَّ النَّقَبَ بِالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ ، وَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ .
وَكَانَ مُقَامُهُ فِي الْمُلْكِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، بِمِقْدَارِ عِبَادَةِ الصَّنَمِ فِي دَارِ
سُلَيْمَانَ .
وَقِيلَ : كَانَ السَّبَبُ فِي ذَهَابِ مُلْكِهِ أَنَّ امْرَأَةً لَهُ كَانَتْ أَبَرَّ نِسَائِهِ عِنْدَهُ تُسَمَّى
جَرَادَةَ وَلَا يَأْتَمِنُ عَلَى خَاتَمِهِ سِوَاهَا ، فَقَالَتْ لَهُ : إِنَّ أَخِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانٍ حُكُومَةٌ ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَقْضِيَ لَهُ . فَقَالَ : أَفْعَلُ ، وَلَمْ يَفْعَلْ ، فَابْتُلِيَ ، وَأَعْطَاهَا خَاتَمَهُ ، وَدَخَلَ الْخَلَاءَ ، فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَتِهِ فَأَخَذَهُ ، وَخَرَجَ
سُلَيْمَانُ بَعْدَهُ فَطَلَبَ الْخَاتَمَ ، فَقَالَتْ : أَلَمْ تَأْخُذْهُ ؟ قَالَ : لَا ، وَخَرَجَ مِنْ مَكَانِهِ تَائِهًا وَبَقِيَ الشَّيْطَانُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ ، فَفَطِنُوا لَهُ وَأَحْدَقُوا بِهِ وَنَشَرُوا التَّوْرَاةَ فَقَرَءُوهَا ، فَطَارَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ، وَأَلْقَى الْخَاتَمَ فِي الْبَحْرِ ، فَابْتَلَعَهُ حُوتٌ ، ثُمَّ إِنَّ
سُلَيْمَانَ قَصَدَ صَيَّادًا وَهُوَ جَائِعٌ فَاسْتَطْعَمَهُ ، وَقَالَ : أَنَا
سُلَيْمَانُ ، فَكَذَّبَهُ ، وَضَرَبَهُ فَشَجَّهُ ، فَجَعَلَ يَغْسِلُ الدَّمَ ، فَلَامَ الصَّيَّادُونَ صَاحِبَهُمْ ، وَأَعْطَوْهُ سَمَكَتَيْنِ
[ ص: 210 ] إِحْدَاهُمَا الَّتِي ابْتَلَعَتِ الْخَاتَمَ ، فَشَقَّ بَطْنَهَا ، وَأَخَذَ الْخَاتَمَ ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ مُلْكَهُ ، فَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ ، فَقَالَ : لَا أَحْمَدُكُمْ عَلَى عُذْرِكُمْ وَلَا أَلُومُكُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ .
وَسَخَّرَ اللَّهُ لَهُ الْجِنَّ وَالشَّيَاطِينَ وَالرِّيحَ ، وَلَمْ يَكُنْ سَخَّرَهَا لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=36فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=37وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=38وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ .
وَقِيلَ فِي سَبَبِ زَوَالِ مُلْكِهِ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .