( 8533 ) مسألة قال : ولو كان في يده دار ، فادعاها رجل ، فأقر بها لغيره ، فإن كان المقر له بها حاضرا ، جعل الخصم فيها ، وإن كان غائبا ، وكانت للمدعي بينة ، حكم بها للمدعي ببينة ، وكان الغائب على خصومته متى حضر وجملته أن الإنسان إذا سئل عن ذلك ، فإن صدقه ، صار الخصم فيها ، وكان صاحب اليد ; لأن من هي في يده اعترف أن يده نائبة عن يده ، وإقرار الإنسان بما في يده إقرار صحيح ، فيصير خصما للمدعي ، فإن كانت للمدعي بينة ، حكم له بها ، وإن لم تكن له بينة ، فالقول قول المدعى عليه مع يمينه . ادعى دارا في يد غيره ، فقال الذي هي في يده : ليست لي ، إنما هي لفلان . وكان المقر له بها حاضرا
وإن قال المدعي : أحلفوا لي المقر الذي كانت العين في يده ، أنه لا يعلم أنها لي . فعليه اليمين ; لأنه لو أقر له بها بعد اعترافه ، لزمه الغرم كما لو قال : هذه العين لزيد . ثم قال : هي لعمرو . فإنها تدفع إلى زيد ، ويدفع قيمتها لعمرو . ومن لزمه الغرم مع الإقرار ، لزمته اليمين مع الإنكار ، فإن رد المقر له الإقرار ، وقال : ليست لي ، وإنما هي للمدعي . حكم له بها . وإن لم يقل : هي للمدعي ، ولكن قال : ليست لي . فإن كانت للمدعي بينة ، حكم له بها ، وإن لم تكن له بينة ، ففيه وجهان ; أحدهما ، تدفع إلى المدعي ; لأنه يدعيها ، ولا منازع له فيها ، ولأن من هي في يده لو ادعاها ، ثم نكل ، قضينا بها ، للمدعي فمع عدم ادعائه لها أولى والثاني ، لا تدفع إليه ; لأنه لم يثبت لها مستحق ; لأن المدعي لا يد له ، ولا بينة ، وصاحب اليد معترف أنها ليست له ، فيأخذها الإمام فيحفظها لصاحبها . وهذا الوجه الثاني ذكره ، والأول أولى ; لما ذكرنا من دليله . القاضي
ولأصحاب وجهان كهذين ، ووجه ثالث ، أن المدعي يحلف أنها له ، وتسلم إليه . ويتخرج لنا مثله ; بناء على القول برد اليمين إذا نكل المدعى عليه . وإن قال المقر له : هي لثالث . انتقلت الخصومة إليه ، وصار بمنزلة صاحب اليد ; لأنه أقر له بها من اليد له حكما . وأما إن أقر بها المدعى عليه لمجهول ، قيل له : ليس هذا بجواب . فإن أقررت بها لمعروف ، وإلا جعلناك ناكلا وقضينا عليك . فإن أصر ، قضي عليه بالنكول . وإن أقر بها لغائب ، أو لغير مكلف معين ، كالصبي والمجنون ، صارت الدعوى عليه . الشافعي
فإن لم تكن للمدعي بينة ، لم يقض له بها ; لأن الحاضر يعترف أنها ليست له ، ولا يقضي على الغائب بمجرد الدعوى ، ويقف الأمر حتى يقدم الغائب ، ويصير غير المكلف مكلفا فتكون الخصومة معه . فإن قال المدعي : أحلفوا لي المدعى عليه أحلفناه ; لما تقدم . وإن أقر بها للمدعي ، لم تسلم إليه ; لأنه اعترف أنها لغيره ، ويلزمه أن يغرم له قيمتها ; لأنه فوتها عليه بإقراره بها [ ص: 261 ] لغيره . وإن كان مع المدعي بينة ، سمعها . الحاكم ، وقضى بها ، وكان الغائب على خصومته ، متى حضر ، له أن يقدح في بينة المدعي ، وأن يقيم بينة تشهد بانتقال الملك إليه من المدعي .
وإن أقام بينة أنها ملكه ، فهل يقضي بها ؟ على وجهين ; بناء على تقديم بينة الداخل أو الخارج ; فإن قلنا تقدم بينة الخارج . فأقام الغائب بينة تشهد له بالملك والنتاج ، أو سبب من أسباب الملك ، فهل تسمع بينته ، يقضي بها ؟ على وجهين . وإن كان مع المقر بينة تشهد بها للغائب ، سمعها الحاكم ، ولم يقض بها ; لأن البينة للغائب ، والغائب لم يدعها هو ولا وكيله ، وإنما سمعها الحاكم ; لما فيها من الفائدة وهو زوال التهمة عن الحاضر ، وسقوط اليمين عنه ، إذا ادعى عليه أنك تعلم أنها لي . ويتخرج أن يقضي بها ، إذا قلنا بتقديم بينة الداخل ، وأن للمودع المخاصمة في الوديعة إذا غصبت . ولأنها بينة مسموعة ، فيقضى بها ، كبينة المدعي إذا لم تعارضها بينة أخرى . فإن ادعى من هي في يده ، أنها معه بإجارة أو عارية ، وأقام بينة بالملك للغائب ، لم يقض بها ; لوجهين ; أحدهما أن ثبوت الإجارة والعارية يترتب على الملك للمؤجر ، بهذه البينة ، فلا تثبت الإجارة المترتبة عليها .
والثاني أن بينة الخارج مقدمة على بينة الداخل ، ويخرج القضاء بها على تقديم بينة الداخل ، وكون الحاضر له فيها حق ; فإنه يقضي بها ، وجها واحدا . ومتى عاد المقر بها لغيره ، فادعاها لنفسه ، لم تسمع دعواه ; لأنه أقر بأنه لا يملكها ، فلا يسمع منه الرجوع عن إقراره . والحكم في غير المكلف ، كالحكم في الغائب ، على ما ذكرنا