الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8783 ) فصل : وإذا جني على المكاتب فيما دون النفس ، فأرش الجناية له ، دون سيده ، لثلاثة معان ; أحدها ، أن كسبه له ، وذلك عوض عما يتعطل بقطع يده من كسبه . والثاني ، أن المكاتبة تستحق المهر في النكاح ، لتعلقه بعضو من أعضائها ، كذلك بدل العضو . والثالث : أن السيد يأخذ مال الكتابة بدلا عن نفس المكاتبة ، فلا يجوز أن يستحق عنه عوضا آخر . ثم لا يخلو من ثلاثة أحوال ; أحدها ، أن يكون الجاني سيده ، فلا قصاص عليه ; لمعنيين ; أحدهما ، أنه حر ، والمكاتب عبد . والثاني ، أنه مالكه ، ولا يقتص من المالك لمملوكه ، ولكن يجب الأرش ، ولا يجب إلا باندمال الجرح ، على ما ذكرنا في الجنايات . ولأنه قبل الاندمال لا تؤمن سرايته إلى نفسه ، فيسقط أرشه . فإذا ثبت هذا ، فإنه إن سرى الجرح إلى نفسه ، انفسخت الكتابة ، وكان الحكم فيه كما لو قتله .

                                                                                                                                            وإن اندمل الجرح ، وجب أرشه له على سيده ، فإن كان من جنس مال الكتابة ، وقد حل عليه نجم ، تقاصا ، وإن كان من غير جنس مال الكتابة ، أو كان النجم لم يحل ، لم يتقاصا ، ويطالب كل واحد منهما بما يستحقه . وإن اتفقا على أن يجعل أحدهما عوضا عن الآخر ، وكانا من جنسين ، لم يجز ; لأنه بيع دين بدين . فإن قبض أحدهما حقه ، ثم دفعه إلى الآخر ، عوضا عن حقه ، جاز . وإن رضي المكاتب بتعجيل الواجب له عن ما لم يحل من نجومه ، جاز إذا كان من جنس مال الكتابة . الحال الثانية ، إذا كان الجاني أجنبيا حرا فلا قصاص أيضا ; لأن الحر لا يقتل بالعبد ، ولكن ينظر ; إن سرى الجرح إلى نفسه ، انفسخت الكتابة ، وعلى الجاني قيمته لسيده ، وإن اندمل الجرح ، فعليه أرشه له . فإن أدى الكتابة ، وعتق ، له ثم سرى الجرح إلى نفسه ، وجبت ديته ; لأن اعتبار الضمان بحالة الاستقرار ويكون ذلك لورثته .

                                                                                                                                            فإن كان الجاني السيد ، أو غيره من الورثة ، لم يرث منه شيئا ; لأن القاتل لا يرث ، ويكون لبيت المال [ ص: 380 ] إن لم يكن له وارث . ومن اعتبر الجناية بحالة ابتدائها ، أوجب على الجاني قيمته ، ويكون لورثته أيضا . الحال الثالث ، إذا كان الجاني عبدا أو مكاتبا ، فإن كان موجب الجناية القصاص وكانت على النفس ، انفسخت الكتابة ، وسيده مخير بين القصاص والعفو على مال يتعلق برقبة الجاني . وإن كانت فيما دون النفس ، مثل أن يقطع يده أو رجله ، فللمكاتب استيفاء القصاص ، وليس لسيده منعه ، كما أن المريض يقبض ولا يعترض عليه ورثته ، والمفلس يقبض ولا يعترض عليه غرماؤه . وإن عفا على مال ، ثبت له .

                                                                                                                                            وإن عفا مطلقا ، أو إلى غير مال ، انبنى ذلك على الروايتين في موجب العمد ; إن قلنا : موجبه القصاص عينا . صح ، ولم يثبت له مال ، وليس للسيد مطالبته باشتراط مال ; لأن ذلك تكسب ، ولا يملك السيد إجباره على الكسب . وإن قلنا : الواجب أحد أمرين . ثبتت له دية الجرح ; لأنه لما سقط القصاص ، تعين المال ، ولا يصح عفوه عن المال ; لأنه لا يملك التبرع به بغير إذن سيده . وإن صالح على بعض الأرش ، فحكمه حكم العفو إلى غير مال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية