الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8760 ) فصل : وإن اختلفا في السابق منهما فادعى كل واحد منهما أنه السابق فعلى قولنا لها المهر على كل واحد منهما ، وكل واحد منهما يقر لصاحبه بنصف قيمة الجارية ; لأنه يقول : صارت أم ولد لي بإحبالي إياها ووجب لشريكي علي نصف قيمتها ولي عليه قيمة ولده ; لأنه يقول : أولدتها بعد أن صارت أم ولد لي . وهل يكون مقرا له بنصف قيمة ولده ؟ على وجهين سبق ذكرهما .

                                                                                                                                            فعلى هذا إن استوى ما يدعيه وما يقر به تقاصا وتساقطا ولا يمين لواحد منهما على صاحبه ; لأنه يقول : لي عليك مثل ما لك علي ، والجنس واحد ، فتساقطا . وإن زاد ما يقر به فلا شيء عليه ; لأن خصمه يكذبه في إقراره ، وإن زاد ما يدعيه فله اليمين على صاحبه في الزيادة ويثبت للأمة حكم العتق في نصيب كل واحد منهما بموته ; لإقراره بذلك ، ولا يقبل قوله على شريكه في إعتاق نصيبه .

                                                                                                                                            وقال أبو بكر : في الأمة قولان ، أحدهما يقرع بينهما فتكون أم ولد لمن تقع القرعة له ، والثاني تكون أم ولد لهما ولا يطؤها واحد منهما . قال : وبالأول أقول .

                                                                                                                                            وأما القاضي فاختار أنهما إن كانا موسرين فكل واحد منهما يدعي المهر على صاحبه ويقر له بنصفه . وهذا مذهب الشافعي ; لأن المهر عندهم لسيدها دونها ولا يعتق شيء منها بموت الأول ; لاحتمال أن تكون أم ولد للآخر ، وأما إذا مات الآخر عتقت ; لأن سيدها قد مات يقينا ، وإن كانا معسرين فكل واحد منهما مقر بأن نصفها أم ولده ويصدقه الآخر ; لأن الاستيلاد لا يسري مع الإعسار ، وكل واحد منهما يقر لصاحبه بنصف المهر والآخر يصدقه فيتقاصان إن تساويا ، وإن فضل أحدهما صاحبه نظرت ; فإن كان كل واحد منهما يدعي الفضل تحالفا وسقط ، وإن كان كل واحد منهما يقر للآخر بالفضل سقط ; لتكذيب المقر له به

                                                                                                                                            وفي الولد وجهان : أحدهما يكون حرا فيكون كل واحد منهما يدعي على الآخر نصف قيمة الولد . والوجه الثاني نصفه حر فيقر بأن نصف الولد مملوك لشريكه فيكون الولدان بينهما من غير يمين .

                                                                                                                                            وعلى الوجه الأول يتقاصان إن تساوت قيمة الولدين ولا يمين في الموضعين ، وأيهما مات عتق [ ص: 366 ] نصيبه وولاؤه له ، وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا فالموسر يقر للمعسر بنصف المهر ونصف قيمة الولد ونصف مهرها ، ويدعي عليه جميع المهر وقيمة الولد ، والمعسر يقر للموسر بنصف المهر ونصف قيمة الولد فيسقط إقرار الموسر للمعسر بنصف قيمة الجارية ; لكونه لا يدعيه ولا يصدقه فيه ويتقاصان بالمهر ; لاستوائهما فيه ، ويدفع المعسر إلى الموسر نصف قيمة الولد ; لإقراره به ويحلف على ما يدعيه عليه من الزيادة ; لأنه ادعى عليه جميع قيمة الولد فأقر له بنصفها ، ويحلف له الموسر على نصف قيمة الولد الذي ادعاه المعسر عليه .

                                                                                                                                            وأما الجارية فإن نصيب الموسر منها أم ولد بغير خلاف بينهما فيه وباقيها يتنازعانه ; فإن مات الموسر أولا عتق نصيبه وولاؤه لورثته ، فإذا مات المعسر عتق باقيها ، وإن مات المعسر أولا لم يعتق منها شيء ، فإذا مات الموسر عتق جميعها . ويجيء على قول أبي بكر أن يقرع بينهما في النصف المختلف فيه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية