الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( فصل وإذا أسلم الزوجان معا بأن تلفظا بالإسلام دفعة واحدة قال الشيخ تقي الدين : يدخل في المعية لو شرع الثاني قبل أن يفرغ الأول فهما على نكاحهما ) لأنه لم يوجد منهما اختلاف دين ( أو أسلم زوج كتابية ) أبواها كتابيان [ ص: 119 ] ( فهما على نكاحهما ) لأن نكاح الكتابية يجوز ابتداؤه فالاستمرار أولى ( سواء كان ) ذلك ( قبل الدخول أو بعده ) وسواء كان زوج الكتابية أو غيره ( وإن أسلمت كتابية ) تحت كتابي أو غير كتابي ، ( أو ) أسلم ( أحد الزوجين غير الكتابيين ) كالمجوسيين والوثنيين ( قبل الدخول انفسخ النكاح ) لقوله تعالى { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } - إلى قوله - { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } .

                                                                                                                      إذ لا يجوز لكافر نكاح مسلمة قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم ولأن دينهما اختلف فلم يجز استمراره كابتدائه وتعجلت الفرقة .

                                                                                                                      ( ولا يكون ) هذا الفسخ ( طلاقا ) كما تقدم في الفسخ للعيب وكالردة فلو أسلم الآخر ثم أعادها فهي معه على طلاق ثلاث ( وإن سبقته ) بالإسلام قبل الدخول ( فلا مهر ) لها لأن الفرقة من جهتها أشبه ما لو ارتدت ( وإن سبقها ) بالإسلام قبل الدخول ( فلها نصفه ) لأن الفرقة حصلت من جهته أشبه ما لو طلقها .

                                                                                                                      ( وإن قالت سبقني ) وفي نسخ " سبقتني " بالإسلام فلي نصف المهر ( فقال بل أنت سبقت ) بالإسلام فلا شيء لك ( ف ) القول ( قولها ) لأنها تدعي استحقاق شيء أوجبه العقد وهو يدعي سقوطه فلم يقبل قوله لأن الأصل عدمه .

                                                                                                                      ( وإن قالا ) أي الزوجان ( سبق أحدنا ولا نعلم عينه فلها أيضا نصفه ) لأن الأصل عدم سقوطه ( وإن قال الرجل أسلمنا معا فنحن على النكاح وأنكرته ) فقالت بل سبق أحدنا بالإسلام ( ف ) القول ( قولها ) لأن الظاهر معها إذ يبعد اتفاق الإسلام منهما دفعة ( وإن أسلم أحدهما ) أي الزوجين ( بعد الدخول وقف الأمر على فراغ العدة ، فإن أسلم الآخر فيها بقي النكاح ) لما روى ابن شبرمة قال { كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبله ، فأيهما أسلم قبل انقضاء العدة فهي امرأته ، وإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما } وروي { أن بنت الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت ثم أسلم صفوان فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما } قال ابن شهاب وكان بينهما نحو من شهر رواه مالك قال ابن عبد البر : شهرة هذا الحديث أقوى من إسناده وقال ابن شهاب " أسلمت أم حكيم وهرب زوجها عكرمة إلى اليمن فارتحلت إليه ودعته إلى الإسلام فأسلم ، [ ص: 120 ] وقدم فبايع النبي صلى الله عليه وسلم فبقيا على نكاحهما قال الزهري ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت وزوجها مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل انقضاء عدتها " روى ذلك مالك .

                                                                                                                      ( وإلا ) أي وإن لم يسلم الآخر في العدة ( تبينا فسخه منذ أسلم الأول ) لأن سبب الفرقة اختلاف الدين فوجب أن تحسب الفرقة منه كالطلاق .

                                                                                                                      ( ولو وطئ ) في العدة ( مع الوقف ) أي وقف النكاح على انقضاء عدة المتخلف ولم يسلم الآخر في العدة ( فلها مهر المثل ) لأنا تبينا أنه وطئ في غير ملك قال في الشرح .

                                                                                                                      وفي المبدع ويؤدب ( وإن أسلم ) الآخر في العدة بعد الوطء فلا مهر لذلك الوطء لأنه وطئها في نكاحه ( ولها نفقة العدة إن أسلمت قبله ) لأنها محبوسة بسببه فكان لها النفقة لكونه متمكنا من تلافي نكاحها كالرجعية وسواء أسلم في عدتها أم لا ( ولا ) نفقة لها للعدة إن أسلمت ( بعده ) لأنه لا سبيل له إلى تلافي نكاحها فأشبهت البائن وكذا لو أسلم ولم تسلم هي .

                                                                                                                      ( وإن اختلفا في السابق ) منهما بأن ادعت سبقه لتجب لها نفقة العدة فأنكرها فقولها لأن الأصل وجوب النفقة وهو يدعي سقوطها ( أو جهل الأمر ) فلم يعلم أيهما السابق ( فقولها ) يعني فتجب لها النفقة لأن الأصل وجوبها فلا تسقط بالشك .

                                                                                                                      ( وإن قال ) الرجل لزوجته ( أسلمت بعد شهرين من إسلامي فلا نفقة لك فيهما فقالت ) بل أسلمت ( بعد شهر ) فلي نفقة الشهر الآخر ( ف ) القول ( قوله ) لأن الأصل براءته مما تدعيه واستصحابا للأصل ( ولو اتفقا على أنها أسلمت بعده وقالت أسلمت في العدة وقال بل ) أسلمت ( بعدها ف ) القول ( قوله ) لأن الأصل عدم إسلامها في العدة ( وانفسخ النكاح ) مؤاخذة له بإقراره .

                                                                                                                      ( وإن قال ) الرجل لزوجته وقد أسلمت قبله ثم أسلم ( أسلمت في عدتك فالنكاح باق وقالت بل ) أسلمت ( بعد انقضائها ) فانفسخ النكاح ( ف ) القول ( قوله ) لأن الأصل بقاء النكاح ( ويجب المسمى بالدخول مطلقا ) أي سواء كانت هي التي أسلمت أو هو الذي أسلم لأنه استقر بالدخول فلم يسقط بشيء وتقدم حكم ما إذا كان صحيحا أو فاسدا .

                                                                                                                      ( وسواء فيما ذكرنا اتفقت الداران أو اختلفتا ) أي فلا فرق بين كونهما في دار الإسلام أو الحرب أو أحدهما بدار الإسلام والآخر بدار الحرب لأن أبا سفيان أسلم بمر الظهران وامرأته بمكة لم تسلم وهي حينئذ دار حرب ولأن أم حكيم أسلمت بمكة وزوجها عكرمة قد هرب إلى اليمن ثم أسلم المتخلف وأقروا على أنكحتهم مع اختلاف الدين [ ص: 121 ] والدار فلو تزوج مسلم مقيم بدار الإسلام كتابية بدار الحرب صح نكاحه لأنه يباح نكاحها إذا كانت بدار الإسلام ، فأبيح نكاحها في دار الحرب كالمسلمة .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية