الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ومنافع الحر والعبد سواء لقوله تعالى حكاية عن شعيب مع موسى { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } ولأن منفعة الحر يجوز أخذ العوض عنها في الإجارة فجازت صداقا [ ص: 130 ] كمنفعة العبد ومن قال ليست مالا ممنوعا لأنه يجوز المعاوضة عنها وبها ثم إن لم تكن مالا أجريت مجرى المال ( فإن طلقها قبل الدخول وقبل استيفاء المنفعة فعليه نصف أجرة ذلك ) النفع الذي جعله صداقا لها .

                                                                                                                      ( وإن كانت ) المنفعة التي جعلها صداقا لها ( مجهولة كرد آبقها أين كان وخدمتها فيما شاءت شهرا لم يصح ) ذلك صداقا لأنه عوض في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كالثمن في البيع والأجرة في الإجارة ( وإن تزوجها على منافعه ) المعلومة ( أو ) على ( منافع غيره المعلومة مدة معلومة صح ) بدليل قصة موسى وقياسا على منفعة العبد .

                                                                                                                      ( ويصح ) أن يتزوجها ( على عمل معلوم ) كخياطة ثوب معين ( منه ومن غيره ) فإن تلف الثوب قبل خياطته فعليه أجرة المثل كما لو أصدقها تعليم عبدها صناعة فمات قبل ذلك وإن عجز عن خياطته مع بقائه فمات لمرض ونحوه فعليه أن يقيم مقامه من يخيطه وإن طلقها قبل خياطته وقبل الدخول فعليه خياطة نصفه إن أمكن معرفة نصفه ، وإلا فنصف الأجرة إلى أن يبدل خياطة أكثر من نصفه بحيث يعلم أنه قد خاط النصف يقينا ذكره في الشرح انتهى .

                                                                                                                      ( و ) يصح أيضا أن يتزوجها على ( دين سلم أو غيره وعلى غير مقدور له كآبق ومغتصب يحصلهما ومبيع اشتراه ولم يقبضه نصا ولو مكيلا ونحوه ) كموزون ومعدود ومذروع لأن الصداق ليس ركنا في النكاح فاغتفر الجهل اليسير والغرر الذي يرجى زواله ولأن القصد بالنكاح الوصلة والاستمتاع .

                                                                                                                      ( وعليه ) أي : على الزوج ( تحصيله ) أي : المبيع قبل قبضه ونحوه ( فإن تعذر ) عليه تحصيله ( ف ) عليه ( قيمته ) لمحل الحاجة وإن كان مثليا فلها مثله عند تعذره لأن المثل أقرب إليه .

                                                                                                                      ( و ) يصح أن يتزوجها ( على أن يشتري لها عبد زيد ) لأنه مال معلوم ( أو ) أن يتزوجها على أن يعتق أباها أو عتق قن له من ذكر أو أنثى لأن بذل العوض له في مقابلته جائز .

                                                                                                                      ( فإن تعذر شراؤه أو طلب ) ربه ( به أكثر من قيمته فلها قيمته ) لأنه عوض تعذر تسليمه فرجع إلى قيمته كما لو كان بيده فاستحق ( فإن جاءها بقيمته مع إمكان شرائه لم يلزمها قبوله ) لأنه يفوت عليها الغرض في عتقه .

                                                                                                                      ( وكل موضع لا تصح فيه التسمية أو خلا العقد عن ذكره حتى في التفويض ويأتي يجب مهر المثل بالعقد ) لأن المرأة لا تسلم إلا ببدل ولم يسلم البدل وتعذر رد العوض فوجب بدله كما لو باعه سلعة بخمر فتلفت عند المشتري .

                                                                                                                      ( وإن أصدقها تعليم أبواب فقه أو ) أبواب ( حديث أو ) تعليم ( شيء من شعر مباح أو أدب أو صنعة أو كتابة أو ما يجوز أخذ الأجرة على تعليمه [ ص: 131 ] وهو معين صح ) لأنه يصح أخذ الأجرة على تعليمه فجاز أن يكون صداقا كمنافع الدار ( حتى ولو كان لا يحفظه ويتعلمه ثم يعلمها ) لأنه بذلك يخرج من عهدة ما وجب عليه .

                                                                                                                      ( وإن تعلمته ) أي تعلمت ما أصدقها تعليمه من غيره لزمته أجرة التعليم ( أو تعذر عليه تعليمها ) بأن أصدقها خياطة فتعذر ( لزمته أجرة التعليم ) لأنه لما تعذر الوفاء بالواجب ; وجب الرجوع إلى بدله .

                                                                                                                      ( وإن علمها ) ما أصدقها تعليمه ( ثم نسيتها ) أي : الصنعة التي علمها إياها ( فلا شيء عليه ) لأنه قد وفاها .

                                                                                                                      ( وإن لقنها الجميع وكلما لقنها شيئا نسيته لم يعتد بذلك تعليما ) لأن العرف لا يعده تعليما ( وإن ادعى أنه علمها وادعت أن غيره علمها فالقول قولها ) لأن الأصل عدمه .

                                                                                                                      ( وإن جاءته بغيرها ليعلمه ما كان يريد يعلمها ) لم يلزمه لأن المستحق عليه العمل في عين لم يلزمه إيقاعه في غيرها كما لو استأجرته لخياطة ثوب فأتته بغيره ولأن المتعلمين يختلفون في التعليم اختلافا كثيرا ( أو أتاها بغيره يعلمها لم يلزمها قبوله ) لأن المعلمين يختلفون في التعليم وقد يكون لها غرض في التعليم منه لكونه زوجها .

                                                                                                                      ( وإن طلقها قبل الدخول وقبل تعليمها فعليه نصف الأجرة ) أي : نصف أجرة مثل تعليم ما أصدقها تعليمه لأنها قد صارت أجنبية عنه فلا يؤمن في تعليمها الفتنة .

                                                                                                                      ( و ) عليه بطلاقها قبل التعليم وبعد ( الدخول كلها ) أي : كل الأجرة لاستقرار ما أصدقها بالدخول ( وإن كان ) طلقها قبل الدخول ( بعد تعليمه رجع عليها بنصف الأجرة ) لأن الطلاق قبل الدخول يوجب نصف الصداق والرجوع بنصف التعليم متعذر فوجب الرجوع إلى بدله وهو الأجرة ( ولو حصلت الفرقة من جهتها ) قبل الدخول وبعد التعليم ( رجع عليها بالأجرة كاملة ) لتعذر الرجوع بالتعليم .

                                                                                                                      ( وإن أصدقها تعليم شيء معين من القرآن لم يصح ) الإصداق لأن الفروج لا تستباح إلا بالمال لقوله تعالى { أن تبتغوا بأموالكم } { ومن لم يستطع منكم طولا } والطول المال ولأن تعليم القرآن قربة ولا يصح أن تكون صداقا كالصوم .

                                                                                                                      وحديث الموهوبة قيل معناه زوجتكها لأنك من أهل القرآن كما زوج أبا طلحة على إسلامه فروى ابن عبد البر بإسناده أن أبا طلحة أتى أم سليم يخطبها قبل أن يسلم فقالت : أتزوجك وأنت تعبد خشبة نحتها عبد بني فلان إن أسلمت تزوجت بك قال فأسلم [ ص: 132 ] أبو طلحة فتزوجها على إسلامه " وليس في الحديث الصحيح ذكر التعليم ويحتمل أن يكون خاصا بذلك الرجل ويؤيده { أن النبي زوج غلاما على سورة من القرآن ثم قال لا تكون بعدك مهرا } رواه سعيد والبخاري ( وإن أصدقها تعليم التوراة والإنجيل أو شيئا منهما لم يصح ولو كانت ) المرأة ( كتابية أو ) كان ( المصدق كتابيا لأنه ) أي : المذكور من التوراة أو الإنجيل ( منسوخ مبدل فهو كما لو أصدقها محرما ) ولها مهر المثل .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية