وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى
وما تلك بيمينك يا موسى ؛ كقوله تعالى : وهذا بعلي شيخا [هود : 72 ] ، في انتصاب الحال ، بمعنى : الإشارة ، ويجوز أن تكون : "تلك " : اسما موصولا صلته "بيمينك " ؛ إنما سأله ليريه عظم ما يخترعه -عز وعلا- في الخشبة اليابسة من قلبها حية نضناضة ، وليقرر في نفسه المباينة البعيدة بين المقلوب عنه والمقلوب إليه ، وينبهه على قدرته الباهرة ؛ ونظيره أن يريك الزراد زبرة من حديد ويقول لك : ما هي ؟ فتقول : زبرة حديد ، ثم يريك بعد أيام لبوسا مسردا فيقول لك : هي تلك الزبرة صيرتها إلى ما ترى من عجيب الصنعة وأنيق السرد ، قرأ ابن أبي إسحاق : "عصي " : على لغة هذيل ؛ ومثله : "يا بشرى" [يوسف : 19 ] ، أرادوا كسر ما قبل ياء المتكلم فلم يقدروا عليه ، فقلبوا الألف إلى أخت الكسرة ، وقرأ : "عصاي " : بكسر الياء ؛ لالتقاء الساكنين ، وهو مثل قراءة الحسن : "بمصرخي" [إبراهيم : 22 ] وعن حمزة ابن أبي إسحاق : سكون الياء ، أتوكأ عليها : أعتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع وعند الطفرة ، هش الورق : خبطه ، أي : أخبطه على رؤوس غنمي تأكله ، وعن لقمان بن عاد : أكلت حقا وابن لبون وجذع ، وهشة نخب وسيلا دفع ، والحمد لله من غير شبع ، سمعته من غير واحد من العرب ، ونخب : واد قريب من الطائف كثير السدر ، وفي قراءة : "أهش " ، وكلاهما من هش الخبز يهش : إذا كان ينكسر لهشاشته ، وعن النخعي : أهس بالسين ، أي : [ ص: 75 ] أنحي عليها زاجرا لها ، والهس : زجر الغنم ، ذكر على التفصيل والإجمال المنافع المتعلقة بالعصا ، كأنه أحس بما يعقب هذا السؤال من أمر عظيم يحدثه الله تعالى فقال : ما هي إلا عصا لا تنفع إلا منافع بنات جنسها وكما تنفع العيدان ؛ ليكون جوابه مطابقا للغرض الذي فهمه من فحوى كلام ربه ، ويجوز أن يريد -عز وجل- أن يعدد المرافق الكثيرة التي علقها بالعصا ويستكثرها ويستعظمها ، ثم يريه على عقب ذلك الآية العظيمة ، كأنه يقول له : أين أنت عن هذه المنفعة العظمى ، والمأربة الكبرى ، المنسية عندها كل منفعة ومأربة كنت تعتد بها وتحتفل بشأنها ، وقالوا : إنما سأله ليبسط منه ويقلل هيبته ، وقالوا : إنما أجمل عكرمة موسى ليسأله عن تلك المآرب فيزيد في إكرامه ، وقالوا : انقطع لسانه بالهيبة فأجمل ، وقالوا : اسم العصا نبعة ، وقيل في المآرب : كانت ذات شعبتين ومحجن ، فإذا طال الغصن حناه بالمحجن ، وإذا طلب كسره لواه بالشعبتين ، وإذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته من القوس والكنانة والحلاب وغيرها ، وإذا كان في البرية ركزها وعرض الزندين على شعبتيها وألقى عليها الكساء واستظل ، وإذا قصر رشاؤه وصله بها ، وكان يقاتل بها السباع عن غنمه ، وقيل : كان فيها من المعجزات أنه كان يستقي بها فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلوا ، وتكونان شمعتين بالليل ، وإذا ظهر عدو حاربت عنه ، وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت ، وكان يحمل عليها زاده وسقاءه فجعلت تماشيه ، ويركزها فينبع الماء ، فإذا رفعها نضب ، وكانت تقيه الهوام .