قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى
" أن " : مع ما بعده إما منصوب بفعل مضمر ، أو مرفوع بأنه خبر مبتدإ محذوف ، معناه : اختر أحد الأمرين ، أو الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا ، وهذا التخيير منهم استعمال أدب حسن معه ، وتواضع له وخفض جناح ، وتنبيه على إعطائهم النصفة من أنفسهم ، [ ص: 93 ] وكأن الله -عز وعلا- ألهمهم ذلك ، وعلم موسى -صلوات الله عليه- اختيار إلقائهم أولا ، مع ما فيه من مقابلة أدب بأدب ، حتى يبرزوا ما معهم من مكايد السحر ، ويستنفدوا أقصى طوقهم ومجهودهم ، فإذا فعلوا ، أظهر الله سلطانه وقذف بالحق على الباطل فدمغه ، وسلط المعجزة على السحر فمحقته ، وكانت آية نيرة للناظرين ، وعبرة بينة للمعتبرين ، يقال : في "إذا" هذه : إذا المفاجأة ، والتحقيق فيها أنها إذا الكائنة بمعنى : الوقت ، الطالبة ناصبا لها وجملة تضاف إليها ، خصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلا مخصوصا ، وهو فعل المفاجأة والجملة ابتدائية لا غير ، فتقدير قوله تعالى : فإذا حبالهم وعصيهم : ففاجأ موسى وقت تخييل سعي حبالهم وعصيهم ، وهذا تمثيل ، والمعنى : على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي ، وقرئ : "عصيهم " : بالضم وهو الأصل ، بالكسر إتباع ؛ ونحوه : دلي ودلي ، وقسي وقسي ، وقرئ : "تخيل " : على إسناده [ ص: 94 ] إلى ضمير الحبال والعصي ، وإبدال قوله : أنها تسعى : من الضمير بدل الاشتمال ؛ كقولك : أعجبني زيد كرمه ، وتخيل على كون الحبال والعصي مخيلة سعيها ، وتخيل بمعنى : تتخيل ، وطريقه طريق تخيل ، ونخيل : على أن الله تعالى- هو المخيل للمحنة والابتلاء ، يروى أنهم لطخوها بالزئبق ، فلما ضربت عليها الشمس ، اضطربت واهتزت ، فخيلت ذلك .