فإن قلت : علام عطف قوله وألق عصاك ؟ قلت : على بورك ؛ لأن المعنى : نودي أن بورك من في النار ، وأن ألق عصاك : كلاهما تفسير لنودي . والمعنى : قيل له بورك من في النار ، وقيل له : " ألق عصاك " . والدليل على ذلك قوله تعالى : وأن ألق عصاك بعد قوله : أن يا موسى إني أنا الله على تكرير حرف التفسير ، كما تقول : كتبت إليك أن حج وأن اعتمر ، وإن شئت أن حج واعتمر . وقرأ : جأن على لغة من يجد في الهرب من التقاء الساكنين ، فيقول : شأبة ودأبة . ومنها قراءة الحسن : "ولا الضالين" عمرو بن عبيد ولم يعقب لم يرجع ، يقال : عقب المقاتل ، إذا كر بعد الفرار ؛ قال [من الطويل ] :
فما عقبوا إذ قيل : هل من معقب ؟ . . . ولا نزلوا يوم الكريهة منزلا
وإنما رعب لظنه أن ذلك لأمر أريد به ، ويدل عليه إني لا يخاف لدي المرسلون و " إلا" بمعنى "لكن" لأنه لما أطلق نفي الخوف عن الرسل ، كان ذلك مظنة لطرو الشبهة ، فاستدرك ذلك . والمعنى : ولكن من ظلم منهم أي فرطت منه صغيرة مما يجوز على الأنبياء ، كالذي فرط من آدم ويونس وداود وسليمان وإخوة يوسف ، ومن موسى بوكزة القبطي ، ويوشك أن يقصد بهذا التعريض بما وجد من موسى ، وهو من التعريضات التي يلطف مأخذها . وسماه ظلما ، كما قال موسى : رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي والحسن ، والسوء : حسن التوبة ، وقبح الذنب . وقرئ : "ألا من ظلم " ، بحرف التنبيه . وعن [ ص: 434 ] في رواية أبي عمرو عصمة : حسنا .