قيل : هو واد بالشام كثير النمل ، فإن قلت : لم عدي "أتوا" بعلى ؟ قلت : يتوجه على معنيين أحدهما : أن إتيانهم كان من فوق ، فأتى بحرف الاستعلاء ؛ كما قال [من الكامل ] : أبو الطيب
ولشد ما قربت عليك الأنجم
لما كان قربا من فوق . والثاني : أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره ، من قولهم : أتى على الشيء إذا أنفذه وبلغ آخره كأنهم أرادوا أن ينزلوا عند منقطع الوادي ، لأنهم ما دامت الريح تحملهم في الهواء لا يخاف حطمهم ، وقرئ "نملة يا أيها النمل " ، بضم الميم وبضم النون والميم ، وكان الأصل : النمل ، بوزن الرجل ، والنمل الذي عليه الاستعمال : تخفيف عنه ، كقولهم : "السبع" في السبع . قيل : كانت تمشي وهي عرجاء تتكاوس ، فنادت : يا أيها النمل : الآية ، فسمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال . وقيل : كان اسمها طاخية . وعن أنه دخل قتادة الكوفة فالتف عليه الناس ، فقال : سلوا عما شئتم ، وكان رحمه الله حاضرا -وهو غلام حدث- . فقال : سلوه عن نملة أبو حنيفة سليمان ، أكانت ذكرا أم أنثى ؟ فسألوه فأفحم ، فقال : كانت أنثى ، فقيل له : من أين عرفت ؟ قال : من كتاب الله ، وهو قوله : أبو حنيفة قالت نملة ولو كانت ذكرا لقال : قال نملة ، [ ص: 441 ] وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى ، فيميز بينهما بعلامة ، نحو قولهم : حمامة ذكر ، وحمامة أنثى ، وهو وهي . وقرئ : "مسكنكم ولا يحطمنكم" بتخفيف النون ، وقرئ : "لا يحطمنكم" بفتح الحاء وكسرها . وأصله : يحتطمنكم . ولما جعلها قائلة والنمل مقولا لهم كما يكون في أولي العقل : أجرى خطابهم مجرى خطابهم . فإن قلت : لا يحطمنكم ما هو ؟ قلت : يحتمل أن يكون جوابا للأمر ، وأن يكون نهيا بدلا من الأمر ، والذي جوز أن يكون بدلا منه : أنه في معنى : لا تكونوا حيث أنتم فيحطمكم ، على طريقة : لا أرينك ها هنا ، أراد : لا يحطمنكم جنود سليمان ، فجاء بما هو أبلغ ، ونحوه : عجبت من نفسي ومن إشفاقها .