( الثالث ) من الرأس أو غيره بحلق أو غيره من إحراق أو قص أو نورة من نفسه أو محرم آخر لقوله تعالى { من المحرمات ( إزالة الشعر ) ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } وقيس [ ص: 338 ] بشعر الرأس شعر سائر الجسد لا إن أبانه مع جلده وإن حرمت إبانة الجلد من حيثية أخرى ; لأنه تابع .
نعم تسن الفدية ومثله في ذلك الظفر ( أو الظفر ) من يده أو رجله أو من محرم آخر قلما أو غيره قياسا على الحلق بجامع الترفه والمراد بالظفر والشعر الجنس فيصدق بالواحد وببعضه ( وتكمل الفدية في ) إزالة ( ثلاث شعرات ) بفتح العين جمع شعرة بسكونها ولاء ( أو ) إزالة ( ثلاثة أظفار ) كذلك بأن اتحد الزمان والمكان وحكم ما فوق الثلاث حكمها كما فهم بالأولى حتى لو حلق شعر رأسه وشعر بدنه ولاء أو أزال أظفار يديه ورجليه كذلك لزمه فدية واحدة ; لأنه يعد فعلا واحدا ، وسواء في ذلك الناسي للإحرام والجاهل بالحرمة لعموم الآية كسائر الإتلافات ، وهذا بخلاف الناسي والجاهل في التمتع باللبس والطيب والدهن والجماع ومقدماته لاعتبار العلم والقصد فيه وهو منتف فيها .
نعم لو أزالها مجنون أو مغمى عليه أو صبي غير مميز لم تلزمه الفدية والفرق بين هؤلاء وبين الجاهل والناسي أنهما يعقلان فعلهما فنسبا إلى تقصير بخلاف هؤلاء ، على أن الجاري على قاعدة الإتلاف وجوبها عليهم أيضا ، ومثلهم في ذلك النائم ، ولو حلق محرم أو حلال رأس محرم بغير اختياره قبل دخول وقته فالدم على الحالق كما لو فعل ذلك بنائم أو مجنون أو غير مميز أو مغمى عليه إذ هو المقصر ; ولأن الشعر في يد المحرم كالوديعة لا العارية ، وضمان الأولى مختص بالمتلف وللمحلوق المطالبة به ، وإن قلنا إن المودع لا يخاصم ; لأن نسكه يتم بأدائه ولوجوبه بسببه ، وإنما لم يجز للزوجة مطالبة زوجها بإخراج فطرتها ; لأن الفدية في مقابلة إتلاف جزء منه فساغ له المطالبة بخلاف الفطرة ، ولو أخرجه المحلوق من غير إذن الحالق لم يسقط ، بخلاف قضاء الدين ; لأن الفدية شبيهة بالكفارة . أما لو كان بأمره أو مع سكوته وقدرته على الدفع فالفدية عليه لتفريطه فيما عليه حفظه ; ولأنهما وإن اشتركا في الحرمة في صورة الأمر فقد انفرد المحلوق بالترفه ، ومحل قولهم المباشرة مقدمة على الأمر ما لم يعد النفع على الآمر ، ألا ترى [ ص: 339 ] أنه لو لم يضمنها إلا الغاصب : أي ضمانا مستقرا وإلا فهو طريق فيه ، ولو أمر الغاصب قصابا بذبح شاة غصبها لزمته الفدية وإلا فلا ، ولو أزال المحرم ذلك من حلال لم تجب فدية على المحرم ولو بغير إذنه إذ لا حرمة لشعره من حيث الإحرام . طارت نار إلى شعره فأحرقته وأطاق الدفع
واستثني من إطلاق وجوب الفدية على الحالف ما لو أمر حلال حلالا بحلق محرم نائم أو نحوه ، فالفدية على الآمر إن جهل الحالق أو أكره أو أكان أعجميا يعتقد وجوب طاعة آمره وإلا فعلى الحالق ، ومثله ما لو أمر محرم محرما أو حلال محرما أو عكسه كما نبه عليه الأذرعي ، وصريح ما تقرر أنهما لو كانا معذورين فالفدية على الحالق ، وقياسه أنهما لو كانا غير معذورين أن تكون على الحالق أيضا وهو ظاهر ( والأظهر أن في ) إزالة ( الشعرة ) الواحدة أو الظفر الواحد أو بعض شيء من أحدهما ( مد طعام وفي الشعرتين ) أو الظفرين ( مدين ) إذ تبعيض الدم فيه عسر ، والشارع قد عدل الحيوان بالإطعام في جزاء الصيد وغيره ، والشعرة الواحدة هي النهاية في القلة ، والمد أقل ما وجب في الكفارات فقوبلت الشعرة به ، والثاني في الشعرة درهم وفي الشعرتين درهمان ; لأن الشاة كانت تقوم في عصره صلى الله عليه وسلم بثلاثة دراهم واعتبرت تلك القيمة عند الحاجة للتوزيع .
ولا فرق في ذلك بين أن يختار أدما أو لا كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، خلافا للعمراني فقد بسط الكلام على رد التقييد المذكور جمع من المتأخرين كالبلقيني وابن العماد وتمسكوا بإطلاق الشيخين لقوله تعالى { ( وللمعذور ) في الحلق لإيذاء قمل أو وسخ أو حر أو جراحة أو نحو ذلك ( أن يحلق ويفتدي ) فمن كان منكم مريضا } الآية ، ولخبر الصحيحين { قال في أنزلت هذه الآية ، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ادن ، فدنوت منه ، فقال : ادن ، فدنوت ، فقال : أيؤذيك هوام رأسك ؟ قال كعب بن عجرة ابن عوف : وأظنه قال نعم ، قال : فأمرني بفدية من صيام أو صدقة أو نسك نسيكة } قال عن الإسنوي : وكذا يلزمه الفدية في كل محرم أبيح للحاجة إلا لبس السراويل والخفين المقطوعين كما مر ; لأن ستر العورة ووقاية الرجل عن النجاسة مأمور بهما فخفف فيهما والحصر فيما قاله كما أفاده الشيخ ممنوع ، فقد استثنى صورا لا فدية فيها كإزالة شعر نبت في باطن عين وتضرر به وكقتل صيد صائل وحيوان مؤذ وكقطع ما انكسر من ظفره وتأذى به فقطع المؤذي منه فقط ، وإنما لزمته في حلق الشعر لكثرة القمل ; لأن الأذى حصل من غير المزال بخلافه هنا ، ومن ثم لو طال شعر حاجبه أو رأسه وغطى عينيه جاز له قطع المغطي فقط ولا فدية .