الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولا ) يضر ( الخروج لقضاء الحاجة ) من بول أو غائط ومثلهما الريح فيما يظهر إذ لا بد منه وإن أكثر خروجه لذلك لعارض نظرا إلى جنسه ، ولا يشترط أن يصل لحد الضرورة ، وإذا خرج لا يكلف الإسراع بل يمشي على سجيته ، فإن تأنى أكثر من ذلك بطل كما في زيادة الروضة عن البحر ، ويجوز له الوضوء بعد قضائها خارج المسجد تبعا لها واجبا كان أو مندوبا ، وإن لم يجز له الخروج وحده ولو عن حدث حيث أمكنه في المسجد واقتصاره على قضاء الحاجة مثال فغيرها كذلك كغسل جنابة وإزالة نجاسة ورعاف وأكل ( ما يجوز للمعتكف الخروج له ) ; لأنه يستحيي منه في المسجد وإن أمكنه الأكل فيه ، بخلاف الشرب كما مر إذا وجد الماء فيه ويؤخذ من العلة كما أفاده الأذرعي أن الكلام في مسجد مطروق ، بخلاف المختص والمهجور الذي يندر طارقوه ، فلو خرج للشرب مع تمكنه منه فيه انقطع تتابعه ، والظاهر كما قاله الشيخ أن الوضوء المندوب لغسل الاحتلام مغتفر كالتثليث في الوضوء الواجب ( ولا يجب فعلها في غير داره ) التي يستحق منفعتها كسقاية المسجد ودار صديق له بجوار المسجد لما فيه من المشقة وخرم المروءة ، وتزيد دار الصديق بالمنة بها ، ويؤخذ منه أن من لا تختل مروءته بالسقاية ولا يشق عليه تكليفها إن كانت أقرب من داره ، وبه صرح القاضي والمتولي ، ومثل ذلك ما إذا كانت السقاية المصونة مختصة بالمسجد لا يدخلها إلا أهل ذلك المكان كما بحثه بعض المتأخرين ( ولا يضر بعدها ) أي داره المذكورة عن المسجد مراعاة لما مر من المشقة والمنة ( إلا أن يفحش ) بعدها عنه وثم لائق به أو ترك الأقرب من داريه وذهب إلى أبعدهما وضابط الفحش كما صرح به البغوي أن يذهب أكثر الوقت في التردد للمنزل ( فيضر في الأصح ) لأنه قد يحتاج في عوده أيضا إلى البول فيمضي يومه في الذهاب والإياب ولاغتنائه بالأقرب من داريه ، فإن لم يجد في طريقه مكانا أو وجده ولم يلق به دخوله لم يضر فحش البعد .

                                                                                                                            والثاني لا يضر فحش ذلك مطلقا لما مر من مشقة الدخول لقضاء الحاجة في غير داره ، ولا يجوز له الخروج [ ص: 230 ] لنوم أو غسل نحو جمعة كما ذكره الخوارزمي ( ولو عاد مريضا ) أو زار قادما ( في طريقه ) لقضاء حاجته ( لم يضر ما لم يطل وقوفه ) بأن لم يقف أصلا أو وقف يسيرا كأن اقتصر على السلام والسؤال ( أو ) لم ( يعدل عن طريقه ) بأن كان المريض والقادم فيها { لخبر عائشة إني كنت أدخل البيت للحاجة أي التبرز والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة } رواه مسلم وفي أبي داود مرفوعا { أنه صلى الله عليه وسلم كان يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو يسأل عنه ولا يعرج } فإن طال وقوفه عرفا أو عدل عن طريقه وإن قل ضر ولو صلى في طريقه على جنازة فإن لم ينتظرها ولم يعدل عن طريقه إليها جاز وإلا فلا ، وهل عيادة المريض ونحوها له أفضل أو تركها أو هما سواء ؟ وجوه أرجحها أولها ( ولا ينقطع التتابع ) بخروجه ( لمرض يحوج إلى الخروج ) لدعاء الحاجة له كما في قضاء الحاجة والمحوج لذلك ما يشق معه المقام في المسجد لحاجة فرش وخادم وتردد طبيب ، أو بأن يخاف منه تلويث المسجد كإسهال وإدرار بول ، بخلاف مرض لا يحوج إلى الخروج كصداع وحمى خفيفة فينقطع التتابع بالخروج له ، وفي معنى ما ذكر في المرض الخوف من نحو لص أو حريق ، فإن زال خوفه عاد لمكانه وبنى عليه قاله الماوردي ولعله فيمن لم يجد مسجدا قريبا يأمن فيه من ذلك .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : إذ لا بد منه ) أي وإخراجه في المسجد مكروه ( قوله : فإن تأتى أكثر من ذلك ) أي ويرجع في ذلك إليه لأنه أمين على عبادته ( قوله أن يذهب أكثر الوقت )

                                                                                                                            [ ص: 230 ] أي الذي نذر اعتكافه ا هـ زيادي ( قوله : فإن طال وقوفه عرفا ) أي بأن زاد في قدر صلاة الجنازة : أي أقل مجزئ منها فيما يظهر ا هـ حج .

                                                                                                                            أما قدرها فيحتمل لجميع الأعراض ( قوله : جاز ) أي الوقوف ولم يقطع التتابع ( قوله : وإلا فلا ) وهل له تكرير هذه كالعيادة على موتى أو مرضى مر بهم في طريقه بالشرطين المذكورين أخذا من جعلهم قدر صلاة الجنازة معفوا عنه بكل غرض فيمن خرج لقضاء الحاجة أو لا يفعل إلا واحدا لأنهم عللوا فعله لنحو صلاة الجنازة بأنه يسير ووقع تابعا لا مقصودا ؟ كل محتمل ، وكذا يقال في الجمع بين نحو العيادة وصلاة الجنازة وزيارة القادم والذي يتجه أن له ذلك .

                                                                                                                            ومعنى التعليل المذكور أن كلا على حدته تابع وزمنه يسير ، فلا نظر لضمه إلى غيره المقتضي لطول الزمن ، ونظيره ما مر فيمن على بدنه دم قليل معفو عنه وتكرر بحيث لو جمع لكثر فهل يقدر الاجتماع حتى يضر أو لا حتى يستمر العفو ؟ فيه خلاف لا يبعد مجيئه هنا وإن أمكن الفرق بأنه يحتاط للصلاة بالنجاسة ما لا يحتاط هنا وأيضا فما هنا في التابع وهو يغتفر فيه ما لا يغتفر في المقصود . ا هـ حج ( قوله أرجحها أولها ) ظاهره وإن لم يكن المريض جارا للمعتكف ولا نحو صديق ، وعبارة حج قبيل الكتاب وبحث البلقيني أن الخروج لعيادة نحو رحم وجار وصديق أفضل ا هـ والموافق لكلام حج أن يجعل الضمير في قوله له للمعتكف لا لمن خرج لحاجة



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 229 ] قوله أن يذهب أكثر الوقت في التردد للمنزل ) انظر ما المراد بالوقت هنا ، ثم رأيت الزيادي صرح بأنه الوقت الذي نذر اعتكافه .




                                                                                                                            الخدمات العلمية