الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            الثالث الرق وقد ذكره بقوله ( وإذا ) ( أحرم العبد ) وفي معناه الأمة ( بلا إذن ) وهو حرام مع صحته ( فلسيده تحليله ) وكذا لمشتريه وإن جهل إحرامه ثم علمه وأجاز البيع ; لأنهما قد يريدان منه ما لا يباح للمحرم كالاصطياد وإصلاح الطيب وقربان الأمة ، وفي منعهما من ذلك إضرار بهما ، ولا خيار للمشتري في هذه الحالة ولكن الأولى لهما أن يأذنا له في إتمام نسكه وحيث جاز لسيده تحليله جاز للعبد التحلل ، ويجب عليه إذا أمره به وإنما لم يجب بغير أمره وإن كان الخروج من المعصية واجبا لكونه تلبس بعبادة في الجملة مع جواز رضا السيد بدوامه ، وأم الولد والمدبر والمكاتب والمبعض ومعلق العتق بصفة كالقن ويصدق السيد بيمينه في عدم الإذن ، وفي تصديقه في تقدم رجوعه على الإحرام تردد ، والأوجه منه تصديق العبد ; لأن الأصل عدم ما يدعيه ، ويأتي فيه ما ذكر في اختلاف الزوج والزوجة في الرجعة [ ص: 367 ] ولو أذن له في إحرام مطلق ففعل وأراد صرفه لنسك والسيد لغيره ففي المجاب وجهان ، أوجههما إجابة السيد حيث طلب الأقل ، وشمل كلام المصنف ما لو أذن له في الإحرام ثم رجع قبل إحرامه فأحرم غير عالم برجوعه ، وما لو أذن له في الإحرام في وقت فأحرم قبله فإن له تحليله ما لم يدخل ذلك الوقت .

                                                                                                                            ومثله ما لو أذن له في الإحرام من مكان بعيد فأحرم من أبعد منه ، وما لو أذن له في الإحرام بالعمرة فأحرم بالحج ; لأنه فوقها ، وما لو أذن له في التمتع ورجع بينهما وما لو أحرم بإذن ثم أفسده بجماع ثم أحرم بالقضاء بلا إذن ، أما إذا أحرم بإذنه فليس له تحليله وإن أفسد نسكه ; لأنه عقد لازم عقد بإذن سيده فلم يملك إخراجه منه كالنكاح ولا لمشتريه ذلك ، ولكن له فسخ البيع إن جهل إحرامه ، وكذا لو أحرم بغير إذنه ثم أذن له في إتمامه أو أذن له في الحج فأحرم بالعمرة أو أذن له في التمتع أو في الحج أو الإفراد فقرن ، إذ لو جاز له تحليله لزم أن يحلله فيما أذن له فيه ، ويستثنى من تحليله مما لم يأذن له فيه المبعض المهايأ إذا وسعت نوبته أداء النسك فأحرم به فيها ، والمكاتب كتابة صحيحة إذا لم يحتج في تأدية نسكه إلى سفر فأحرم به أو احتاج ولم يحل عليه شيء من النجوم فأحرم به على ما ذكره ابن المقري ، وظاهر كلامهم أنه كالقن مطلقا وعبد الحربي إذا أسلم ثم أحرم بغير إذنه ثم غنمناه والناذر لنسك في عام معين بإذن سيده ثم انتقل إلى غيره فأحرم به في وقته ، ولو كان الرقيق مؤجرا أو موصى بمنفعته فالمعتبر إذن مالك المنفعة دون الرقبة ، وتحلل الرقيق يكون بالنية والحلق ، والمراد بتحليل سيده أنه يأمره به لا أنه يتعاطى الأسباب بنفسه إذ غايته أن يستخدمه ويمنعه المضي ويأمره بفعل المحظورات أو يفعلها به ولا يرتفع الإحرام بذلك ، فإن امتنع ارتفع المانع بالنسبة إلى السيد حتى يجوز له استخدامه في محرمات الإحرام ، ويؤخذ من بقائه على إحرامه .

                                                                                                                            وقولهم مذبوح المحرم من الصيد ميتة أنه لو ذبح صيدا ولو بأمر سيده لم يحل وبه أفتى الوالد رحمه الله تعالى وإن خالف في ذلك بعض أهل العصر ، وما لزمه من دم بفعل محظور كاللبس أو بالفوات لا يلزم سيده ولو أحرم بإذنه ، بل لا يجزئه إذا ذبح عنه إذ لا ذبح عليه لكونه لا يملك شيئا ، وإن ملكه سيده وواجبه الصوم وله منعه منه إن كان يضعف به عن الخدمة أو يناله به ضرر ، ولو أذن له في الإحرام ; لأنه لم يأذن له في موجبه فإن وجب بتمتع أو قران أذن له [ ص: 368 ] فيه لم يمنعه منه لإذنه في موجبه ، وإن ذبح عنه السيد بعد موته جاز ; لأنه حصل اليأس عن تكفيره ، والتمليك بعد الموت ليس بشرط ، ولهذا لو تصدق عن ميت جاز ، وقد { أمر النبي صلى الله عليه وسلم سعدا أن يتصدق عن أمه بعد موتها } ، فإن عتق الرقيق وقدر على الدم لزمه اعتبارا بحالة الأداء ، والمكاتب يكفر بإذن سيده كالحر ; لأنه يملك ، وعليه فيجزئه أن يذبح عنه ولو في حياته ، ولو أحرم المبعض في نوبته وارتكب المحظور في نوبة سيده أو عكسه اعتبر وقت ارتكاب المحظور .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ثم علمه وأجاز البيع ) مقتضاه ثبوت الخيار له وانظره مع قوله فيما يأتي ، ولا خيار للمشتري إلا أن يقال : ما هنا مصور بما إذا باع بشرط الخيار ولم يعلم بإحرامه حال العقد ثم علمه ، وأجاز من حيث الشرط لا من حيث ظهور العيب أو يقال : وهو أولى : ما يأتي مفروض فيما لو أحرم بلا إذن من السيد وما هنا فيما لو أحرم بإذن منه ، والفرق بينهما أنه حيث أحرم بلا إذن قدر المشتري على تحليله فلا يلحقه ضرر بعد ثبوت الخيار له ، بخلاف ما إذا أحرم بإذن فيثبت له الخيار حيث اشترط جاهلا بإحرامه لمنعه من تحليله فيتضرر بقاء الإحرام ، ومع ذلك ففي عبارة الشارح شيء فليحرر ( قوله : جاز للعبد التحلل ) أي من غير إذن السيد ( قوله : ; لأن الأصل عدم ما يدعيه ) [ ص: 367 ] أي السيد ( قوله : حيث طلب الأقل ) بخلاف ما إذا طلب السيد الحج والعبد العمرة فإن العبد المجاب ( قوله : فأحرم من أبعد منه ) وينبغي أن محله ما لم يكن وصل إلى المحل الذي أذن له بالإحرام منه أخذا مما قبله ( قوله : وكذا لو أحرم ) أي ليس له تحليله ( قوله : إذا وسعت نوبته أداء النسك ) ظاهره وإن احتاج إلى سفر وقد يتوقف فيه بأن السفر قد يتولد منه مرض فيضر بالسيد ( قوله : والمكاتب إلخ ) وفي نسخة بدل هذا : والمكاتب كالقن مطلقا ( قوله : وظاهر كلامهم أنه ) أي المكاتب كالرقيق معتمد ( قوله : وعبد الحربي إلخ ) أي ويستثنى أيضا ( قوله : فالمعتبر إذن مالك ) هل اعتبر إذن مالك الرقبة أيضا لملكه العين مع احتمال حصول ضرر له بأعمال الحج إلا أن يقال : لما كان الأصل السلامة ، وقد نقل حقه من المنفعة للمستأجر ، وذلك يستدعي أن يتصرف فيه المستأجر بما أراد مما جرت به العادة وإن احتمل معه الضرر للعبد لم يلتفت إلى السيد ( قوله : ولو بأمر سيده لم يحل ) أي الصيد خلافا لحج ، وقد يوجه بأنه حيث كان ميتة لم يبق لجواز أمر السيد له بالذبح فائدة بل يكون أمره وسيلة إلى إضاعة المال وقتل الحيوان بلا سبب ( قوله : بل لا يجزئه ) أي العبد إذا ذبح عنه : أي السيد ( قوله ولو أذن له ) غاية [ ص: 368 ] قوله وعليه فيجزئه ) أي المكاتب أن يذبح أي السيد عنه ظاهره ولو بغير إذن من المكاتب ولعله غير مراد إذ الذبح يتوقف على النية وما يتوقف عليها لا يصح إلا بإذن ممن وجبت عليه ( قوله : اعتبر وقت ارتكاب المحظور ) أي فإن كان في نوبته لزمه الدم أو في نوبة سيده كفر بالصوم كما يعلم مما تقدم في قوله وما لزمه من دم إلخ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وإذا أحرم العبد بلا إذن ) أي ولو بأن خالف في صفة الإحرام كما يعلم من كلام الشارح الآتي ( قوله : وفي منعهما ) أي البائع والمشتري ، وكان الأولى إفراد الضمير ليرجع إلى مطلق السيد الأعم ( قوله : والمكاتب والمبعض ) أي على ما يأتي فيهما [ ص: 367 ] قوله أوجههما إجابة السيد حيث طلب الأقل ) ومفهومه عدم إجابته حيث طلب الأثقل ، ويلزم منه أن العبد طالب الأخف ، فلو قال إجابة طالب الأخف لشملهما منطوقا ولكان أوضح ( قوله إذ غايته ) أي التعاطي [ ص: 368 ] قوله : اعتبر وقت ارتكاب المحظور ) أي فإن كان في نوبته وجب عليه أو في نوبة السيد فلا وجوب




                                                                                                                            الخدمات العلمية