الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وعن بيع كشرط كبيع بشرط بيع ) كما مر ( أو ) بيع دار بألف بشرط ( قرض ) مائة ; لأنه جعل الألف ورفق العقد الثاني ثمنا واشتراطه فاسد فبطل مقابله من الثمن ، وهو مجهول فصار الكل مجهولا ، ثم إذا عقد الثاني مع علمهما بفساد الأول صح وإلا فلا كما صححه في المجموع ( ولو اشترى زرعا بشرط أن يحصده ) بضم الصاد وكسرها ( البائع أو ثوبا يخيطه ) البائع أو بشرط أن يخيطه كما بأصله وعدل عنه ليبين عدم الفرق بين التصريح بالشرط والإتيان به على صورة الإخبار ، وبه صرح في مجموعه وفي كلام غيره ما يقتضي أن خلطه بالأمر لا يكون شرطا ، ويظهر حمله على ما إذا أراد مجرد الأمر لا الشرط ، ويفرق بين خطه وتخيطه بأن الأمر [ ص: 451 ] بشيء مبتدأ غير مقيد لما قبله ، بخلاف الثاني فإنه حال وهي مقيدة لما قبلها فكانت في معنى الشرط ( فالأصح بطلانه ) أي الشراء لاشتماله على شرط عمل فيما لم يملكه المشتري إلى الآن ، وقضيته أنه لو تضمن إلزامه بالعمل فيما يملكه كأن اشترى ثوبا بشرط أن يبني حائطه صح وهو غير مراد ، بل الأوجه البطلان هنا قطعا كما علم من قوله بشرط بيع أو قرض إذ هما مثالان ، فبيع بشرط إجارة أو إعارة باطل لذلك ، سواء أقدم ذكر الثمن على الشرط أم أخره عنه ، وإنما جرى الخلاف في صورة المتن ; لأن العمل في المبيع وقع تابعا لمبيعه فاغتفر على مقابل الأصح القائل إن فيه جمعا بين بيع وإجارة ، وقيل يبطل الشرط ، وفي البيع قولا تفريق الصفقة ، ولو اشترى حطبا مثلا على دابة بشرط إيصاله منزله لم يصح وإن عرف المنزل ; لأنه بيع بشرط ، وإن أطلق صح العقد ولم يكلف إيصاله منزله ولو اعتيد بل يسلمه له في موضعه .

                                                                                                                            والحاصل من كلامهم أن كل شرط مناف لمقتضى العقد إنما يبطله إذا وقع في صلبه أو بعده وقبل لزومه ، بخلاف ما لو تقدم عليه ولو في مجلسه كما سيأتي ، وحيث صح لم يجبر على فسخه بوجه ، وما قبض بشراء فاسد مضمون بدلا ومهرا وقيمة ولد وأجرة ضمان المغصوب إذ هو مخاطب برده كل لحظة ومتى وطئها المشتري لم يحد ولو مع علمه بالفساد إلا أن يعلمه والثمن ميتة أو دم أو نحو ذلك مما لا يملك به أصلا ، بخلاف ما لو كان الثمن نحو خمر كخنزير ; لأن الشراء به يفيد الملك عند أبي حنيفة ، ولو كانت بكرا فهو مهر بكر كالنكاح الفاسد وأرش بكارة لإتلافها ، بخلافه في النكاح الفاسد إذ فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه ، [ ص: 452 ] وأرش البكارة مضمون في صحيح البيع دون صحيح النكاح ، وهذا ما ذكره الزركشي وابن العماد .

                                                                                                                            والأصح في النكاح الفاسد وجوب مهر مثل ثيب وأرش بكارة ، وعلى الأول فلا ينافي ما يأتي في الغصب أنه لو اشترى بكرا مغصوبة ووطئها جاهلا أنه يلزمه مع أرش البكارة مهر ثيب لوجود العقد المختلف في حصول الملك به هنا كما في النكاح الفاسد بخلافه ثم ، ولو حذف العاقدان المفسد للعقد ولو في مجلس الخيار لم ينقلب صحيحا ، إذ لا عبرة لفاسد ، بخلاف ما لو ألحقا شرطا صحيحا أو فاسدا في مجلس الخيار فإنه يلحق العقد ; لأن مجلس العقد كالعقد .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بشرط قرض ) أي مثلا كما يأتي ( قوله كما صححه في المجموع ) عبارة حج هنا بعد ما ذكره نصها : وما وقع في الروضة وأصلها من صحة الرهن فيما لو رهن بدين قديم مع ظن صحة شرطه في بيع أو قرض بأن فساده ضعيف أو أن الرهن مستثنى ; لأنه مجرد توثق فلم يؤثر فيه ظن الصحة إذ لا جهالة تمنعه بخلاف ما هنا ا هـ . أقول : وقد يؤخذ من قول حج اعتماد أن الرهن مستثنى من قول الشارح بعد قول المصنف في الرهن ، فلو رهنه بعد بلا شرط مفسد صح ا هـ .

                                                                                                                            ووجه الأخذ أنه أطلق في صحة الرهن فشمل ما لو علما فساد الأول وما لو ظنا صحته ، ويوافقه ما نقلهسم على حج عن شرح الروض من أنه لم يضعفه بل فرق ( قوله : أو ثوبا ويخيطه ) عبارة حج : والبائع يخيطه ، ثم قال : تنبيه : قدرت ما مر قبل يخيطه ردا لما يقال ظاهر كلامه أنها جملة حالية ، وهو ممتنع ; لأن المضارعية المثبتة لا تدخل عليها واو الحال ا هـ . وكتب عليه سم أن الواو من المصنف فيصدق بوجودها من المشتري وعدمه ( قوله : لا الشرط ) ومثله الإطلاق فيما يظهر ( قوله : ويفرق ) قضيته أن هذا الفرق بينهما بعد الحمل المذكور ، ويشكل بأنه يقتضي أنه لو أراد بقوله وتخيطه الاستئناف لم يصح البيع ، وفيه نظر ; لأن قصد الاستئناف مناف للحالية المقتضية للبطلان ، [ ص: 451 ] فلعل الفرق بما ذكر واقع في كلام غير الشارح بناء على عدم الحمل فليراجع ( قوله : فالأصح بطلانه ) قال في الروض وشرحه : إن اشترى زرعا أو ثوبا مثلا بعشرة بشرط حصده وخياطته له بدرهم لم يصح الشراء لاشتماله على شرط عمل له فيما لم يملكه بعد سواء شرط العمل على البائع أم على الأجنبي ، فتعبيره بما قاله أولى من تقييده الأصل بالبائع .

                                                                                                                            وإن قال اشتريته بعشرة واستأجرتك لحصده أو لخياطته بدرهم وقبل بأن قال بعت وأجرت صح البيع وحده : أي دون الإجارة ; لأنه استأجر قبل الملك لمحل العمل ، وإن اشتراه واستأجره بالعشرة فقولا تفريق الصفقة في البيع وتبطل الإجارة ولا تصح في الأصل فإنه قال فطريقان : أحدهما على القولين في الجمع بين مختلفي الحكم والثاني تبطل الإجارة ، وفي البيع قولا تفريق الصفقة فليراجع من زيادة المصنف ، وبه صرح في المجموع ، فلو جمعها مع التي قبلها بأن قال قبل قوله وقبل أو اشتراه واستأجره بالعشرة كان أحسن وأخصر ( قوله : فيما لم يملكه المشتري إلى الآن ) أي ; لأنه إنما يملكه بعد تمام الصيغة ( قوله : ولو ) غاية ( قوله : وحيث صح ) أي العقد وهو فائدة مجردة لا تعلق لها بشرح المتن وقوله لم يجبر : أي العاقد ( قوله : وأجرة ضمان المغصوب ) ويقلع غرس وبناء المشتري هنا مجانا على ما في موضع من فتاوى البغوي معتمد ورجحه جامعها ، لكن صريح ما رجحه الشيخان من رجوع مشتر من غاصب بالأرش عليه الرجوع به هنا على البائع بالأولى لعذره مع شبهة إذن المالك ظاهرا فأشبه المستعير ا هـ شرح حج . وكتب سم على قوله مجانا ظاهره وإن كان جاهلا ، وقوله الآتي بعذره يقتضي أنه في الجاهل ا هـ . أقول : وقوله بالأولى قد يتوقف فيه بأن التغرير محقق من الغاصب ، ولا كذلك هنا لجواز أن يكون الفساد نشأ من تقصير المشتري .

                                                                                                                            ( قوله : ولو مع علمه بالفساد ) أي إذا كان على وجه يقول بالملك معه بعض الأئمة على ما يفيده قوله إلا أن يعلمه والثمن إلخ ( قوله : مما لا يملك ) انظر ما ضابطه عند أبي حنيفة ( قوله : في النكاح الفاسد ) أي فإنه [ ص: 452 ] لا أرش فيه ( قوله : كما في النكاح ) يقتضي أن الفرق بين المقبوض بالشراء الفاسد والمغصوبة ، وقوله وعلى الأول يقتضي أن الفرق بين المغصوبة والموطوءة بالنكاح الفاسد ; لأنها المختلف في واجبها ( قوله : ; لأن مجلس العقد كالعقد ) أي غالبا .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 450 ] قوله : ويفرق بين خطه وتخيطه ) أي حيث انصرف الثاني إلى الشرطية وإن صرف عنها ، بخلاف الأول كما هو [ ص: 451 ] حاصل كلامه ( قوله : حطبا على دابة ) أي مثلا [ ص: 452 ] قوله وعلى الأول ) لا يخفى أن الأول والثاني إنما هما في النكاح الفاسد . أما الشراء الفاسد فليس فيه إلا قول واحد والكلام فيه فالصواب إسقاط قوله وعلى الأول ، وهذا الفرق لشرح الروض وهو يقتضي عكس الحكم المذكور كما لا يخفى ، ويقتضي أن عقد البيع لو كان مجمعا على فساده يجب فيه مهر ثيب فتأمل




                                                                                                                            الخدمات العلمية