الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        فصل في الحبس

                                                                                                        قال : ( وإذا ثبت الحق عند القاضي وطلب صاحب الحق حبس غريمه لم يعجل بحبسه وأمره بدفع ما عليه ) لأن الحبس جزاء المماطلة فلا بد من ظهورها ، وهذا إذا ثبت الحق بإقراره لأنه لم يعرف كونه مماطلا في أول الوهلة فلعله طمع في الإمهال فلم يستصحب المال ، فإذا امتنع بعد ذلك حبسه لظهور مطله أما إذا ثبت بالبينة حبسه كما ثبت لظهور المطل بإنكاره .

                                                                                                        قال : ( فإن امتنع حبسه في كل دين لزمه بدلا عن مال حصل في يده كثمن المبيع أو التزامه بعقد كالمهر والكفالة ) لأنه إذا حصل المال في يده ثبت غناه به ، وإقدامه على التزامه باختياره دليل يساره إذ هو لا يلتزم إلا ما يقدر على أدائه ، والمراد بالمهر معجله دون مؤجله .

                                                                                                        قال : ( ولا يحبسه فيما سوى ذلك إذا قال : إني فقير إلا أن يثبت غريمه أن له مالا فيحبسه ) لأنه لم توجد دلالة اليسار فيكون القول قول من عليه الدين ، وعلى المدعي إثبات غناه ; ويروى أن القول لمن عليه الدين في جميع ذلك لأن الأصل هو العسرة ، ويروى أن القول له إلا فيما بدله مال . وفي النفقة القول قول الزوج إنه معسر ، وفي إعتاق العبد المشترك القول للمعتق والمسألتان تؤيدان القولين الآخرين والتخريج على ما قاله في الكتاب : إنه ليس بدين مطلق ، بل هو صلة حتى تسقط النفقة بالموت على الاتفاق ، وكذا عند أبي حنيفة ضمان [ ص: 55 ] الإعتاق ، ثم فيما كان القول قول المدعي إن له مالا أو ثبت ذلك بالبينة فيما كان القول قول من عليه يحبسه شهرين أو ثلاثة ثم يسأل عنه ، فالحبس لظهور ظلمه في الحال ، وإنما يحبسه مدة ليظهر ماله لو كان يخفيه فلا بد من أن تمتد المدة ليفيد هذه الفائدة فقدره بما ذكره ، ويروى غير ذلك من التقدير بشهر أو أربعة إلى ستة أشهر ، والصحيح أن التقدير مفوض إلى رأي القاضي لاختلاف أحوال الأشخاص فيه .

                                                                                                        قال : ( فإن لم يظهر له مال خلي سبيله ) يعني بعد مضي المدة لأنه استحق النظرة إلى الميسرة فيكون حبسه بعد ذلك ظلما ; ولو قامت البينة على إفلاسه قبل المدة تقبل في رواية ولا تقبل في رواية ، وعلى الثانية عامة المشايخ . قال في الكتاب : خلي سبيله ولا يحول بينه وبين غرمائه ، وهذا كلام في الملازمة وسنذكره في كتاب الحجر إن شاء الله تعالى . وفي الجامع الصغير رجل أقر عند القاضي بدين فإنه يحبسه ثم يسأل عنه ، فإن كان موسرا أبد حبسه وإن كان معسرا خلى سبيله ، ومراده إذا أقر عند غير القاضي أو عنده مرة وظهرت مماطلته والحبس أولا ومدته قد بيناه فلا نعيده .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الخدمات العلمية