الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 351 - 352 ] قال : ( وولاء العتاقة تعصيب وهو أحق بالميراث من العمة والخالة ) لقوله عليه الصلاة والسلام للذي اشترى عبدا فأعتقه { هو أخوك ومولاك ، إن شكرك فهو خير له وشر لك ، وإن كفرك فهو خير لك وشر له ولو مات ولم يترك وارثا كنت أنت عصبته }.

                                                                                                        وورث ابنة حمزة رضي الله عنهما على سبيل العصوبة مع قيام وارث ، [ ص: 353 ] وإذا كان عصبة تقدم على ذوي الأرحام وهو المروي عن علي رضي الله عنه ( فإن كان للمعتق عصبة من النسب فهو أولى من المعتق ) ; لأن المعتق آخر العصبات ، وهذا ; لأن قوله عليه الصلاة والسلام : { ولم يترك وارثا }قالوا المراد منه وارث هو عصبة بدليل الحديث الثاني فتأخر عن العصبة دون ذوي الأرحام .

                                                                                                        قال : ( فإن كان للمعتق عصبة من النسب فهو أولى منه ) لما ذكرنا ( وإن لم يكن له عصبة من النسب فميراثه للمعتق ) .

                                                                                                        تأويله : إذا لم يكن هناك صاحب فرض ذو حال أما إذا كان فله الباقي بعد فرضه ; لأنه عصبة على ما روينا وهذا ; لأن العصبة من يكون التناصر به لبيت [ ص: 354 ] النسبة ، وبالموالي الانتصار على ما مر والعصبة تأخذ ما بقي ( فإن مات المولى ثم مات المعتق فميراثه لبني المولى دون بناته ، وليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن ) بهذا اللفظ ورد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي آخره : { أو جر ولاء معتقهن }وصورة الجر قدمناه ; ولأن ثبوت المالكية والقوة في العتق من جهتها ، فينسب بالولاء إليها وينسب إليها من ينسب إلى مولاها ، بخلاف النسب ; لأن سبب النسبة فيه الفراش ، وصاحب الفراش إنما هو الزوج والمرأة مملوكة لا مالكة وليس حكم ميراث المعتق مقصورا على بني المولى بل هو لعصبة الأقرب فالأقرب ; لأن الولاء لا يورث ويخلفه فيه من تكون النصرة به ، حتى لو ترك المولى أبا وابنا فالولاء للابن عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله; لأنه أقربهما عصوبة . وكذلك الولاء للجد دون الأخ عند أبي حنيفة رحمه الله ; لأنه أقرب في العصوبة عنده وكذا الولاء لابن المعتقة حتى يرثه دون أخيها لما ذكرنا إلا أن عقل جناية المعتق على أخيها ; لأنه من قوم أبيها وجنايته كجنايتها ( ولو ترك المولى ابنا وأولاد ابن آخر ) معناه بني ابن آخر ( فميراث المعتق للابن دون بني الابن ; لأن الولاء للكبير ) هو المروي عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم منهم : عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين ، ومعناه القرب على ما قالوا والصلبي أقرب .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الخامس : { قال عليه السلام للذي اشترى عبدا فأعتقه : هو أخوك ، ومولاك ، إن شكرك هو خير له ، وشر لك ، وإن كفرك ، فهو خير لك ، وشر له ، وإن مات ، ولم يترك وارثا ، كنت أنت عصبته }; قلت : رواه الدارمي في " مسنده " أخبرنا يزيد بن هارون عن الأشعث عن الحسن { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل ، فقال : إني اشتريت هذا فأعتقته ، فما ترى فيه ؟ قال : أخوك ومولاك ، إن شكرك فهو خير له ، وشر لك ، وإن كفرك فهو شر له ، وخير لك ، قال : فما ترى في ماله ؟ قال : إن مات ولم يدع وارثا فلك ماله }انتهى .

                                                                                                        ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن عبيد { عن الحسن ، قال : أراد رجل أن يشتري عبدا ، فلم يقض بينه وبين صاحبه بيع ، وحلف رجل من المسلمين بعتقه ، فاشتراه ، فأعتقه ، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن شكرك فهو خير له ، وشر لك ، وإن كفرك فهو شر له ، وخير لك ; قال : فكيف بميراثه ؟ فقال عليه السلام : إن لم تكن له عصبة ، فهو لك }انتهى .

                                                                                                        الحديث السادس : روي { أنه عليه السلام ورث ابنة حمزة على سبيل العصوبة مع قيام [ ص: 353 ] وارث }; قلت : تقدم قريبا بجميع طرقه .

                                                                                                        قوله : روي عن علي تقديمه على ذوي الأرحام يعني مولى العتاقة ; قلت : غريب عن علي ، وأخرجه عبد الرزاق عن زيد بن ثابت ، فقال : أخبرنا معمر عن قتادة عن زيد بن ثابت كان يورث الموالي دون ذوي الأرحام انتهى .

                                                                                                        وأخرج عن علي خلاف ذلك ، فقال : أخبرنا الثوري أخبرني منصور عن حصين عن إبراهيم ، قال : كان عمر ، وابن مسعود يورثان ذوي الأرحام دون الموالي ; قلت : فعلي بن أبي طالب ؟ فقال : كان أشدهم في ذلك انتهى .

                                                                                                        الحديث السابع : قال عليه السلام : { ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن ، أو أعتق من أعتقن ، أو كاتبن ، أو كاتب من كاتبن ، أو دبرن ، أو دبر من دبرن ، أو جر ولاء معتقهن }; قلت : غريب ; وأخرجه البيهقي عن علي ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت أنهم كانوا يجعلون الولاء للكبير من العصبة ، ولا يورثون النساء من الولاء إلا ما أعتقن ، أو أعتق من أعتقن انتهى .

                                                                                                        وأخرج أيضا عن إبراهيم . قال : كان عمر ، وعلي ، وزيد بن ثابت لا يورثون النساء من الولاء ، إلا ما أعتقن ، وأخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن الحسن أنه قال : لا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن ، أو أعتق من أعتقن ; وأخرج عن عمر بن عبد العزيز ، قال : لا ترث النساء من الولاء إلا ما أعتقن ، أو كاتبن ; وأخرج نحوه عن ابن سيرين ، وابن المسيب ، وعطاء ، والنخعي ، وأخرج عن علي ، وعمر ، وزيد أنهم كانوا لا يورثون النساء من الولاء ، إلا ما أعتقن انتهى .

                                                                                                        وروى [ ص: 354 ] عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي بن أبي طالب ، قال : لا ترث النساء من الولاء إلا ما كاتبن ، أو أعتقن ، قال الحاكم : وأخبرني إبراهيم عن ابن مسعود مثله ، قال الحاكم : وكان شريح يقوله ، وأخرج عن الشعبي ، والنخعي ، كقول الحسن المتقدم .

                                                                                                        قوله : لأن الولاء للكبير هو المروي عن عدة من الصحابة منهم عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وغيرهم ; قلت : تقدم قريبا للبيهقي عن علي ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت أنهم كانوا يجعلون الولاء للكبير من العصبة ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الثوري عن منصور عن إبراهيم أن عمر ، وعليا ، وزيد بن ثابت كانوا يجعلون الولاء للكبير انتهى .

                                                                                                        ورواه الدارمي في " مسنده " أخبرنا يزيد بن هارون ثنا أشعث عن [ ص: 355 ] الشعبي عن عمر ، وعلي ، وزيد أنهم قالوا : الولاء للكبير ، قال : يعنون بالكبير ما كان أقرب بأم وأب انتهى . ورواه من طريق أخرى ، وزاد فيه ابن مسعود ، ورواه القاسم بن حزم السرقسطي في " كتاب غريب الحديث " أخبرنا محمد بن علي ثنا سعيد بن منصور ثنا أبو عوانة عن مغيرة عن إبراهيم عن علي ، وزيد ، وعبد الله أنهم كانوا يقولون : الولاء للكبير انتهى .

                                                                                                        قال : ومعناه لأقعد الناس بالمعتق يوم يموت المعتق انتهى .

                                                                                                        وقال في موضع آخر : قال يعقوب : الولاء للكبر بضم الكاف وهو أكبر ولد الرجل المعتق انتهى .

                                                                                                        وفي " الموطإ " مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه أنه أخبره أن العاص بن هشام هلك ، وترك ثلاث بنين : اثنان لأم ، ورجل لعلة ، فهلك أحد اللذين لأم ، وترك مالا وموالي ، فورثه أخوه الذي لأبيه وأمه ، ماله ومواليه ، ثم هلك الذي ورث المال ، وولاء الموالي ، وترك ابنا ، وأخا لأبيه ، فقال ابنه : قد أحرزت ما كان أبي أحرز من المال ، وولاء الموالي ، وقال : أخوه ليس كذلك ، إنما أحرزت المال ، وأما ولاء الموالي فلا ، أرأيت لو هلك أخي اليوم ألست أرثه ؟ فاختصما إلى عثمان بن عفان ، فقضى لأخيه بولاء الموالي انتهى . وينظر في مطابقته للفظ الكتاب .




                                                                                                        الخدمات العلمية