قال : ( فإن فلصاحب الخمر أن يأخذ الخل بغير شيء ويأخذ جلد الميتة ويرد عليه ما زاد الدباغ فيه ) والمراد بالفصل الأول : إذا خللها بالنقل من الشمس إلى الظل ومنه إلى [ ص: 415 ] الشمس ، وبالفصل الثاني : إذا دبغه بما له قيمة كالقرظ والعفص ونحو ذلك . والفرق أن هذا التخليل تطهير له بمنزلة غسل الثوب النجس فيبقى على ملكه إذ لا تثبت المالية به وبهذا الدباغ اتصل بالجلد مال متقوم للغاصب كالصبغ في الثوب فكان بمنزلته ; فلهذا يأخذ الخل بغير شيء ويأخذ الجلد ، ويعطي ما زاد الدباغ فيه ; وبيانه : أنه ينظر إلى قيمته ذكيا غير مدبوغ وإلى قيمته مدبوغا فيضمن فضل ما بينهما وللغاصب أن يحبسه حتى يستوفي حقه كحق الحبس في المبيع . قال : ( وإن استهلكهما ضمن الخل ولم يضمن الجلد عند غصب مسلم خمرا فخللها أو جلد ميتة فدبغه رحمه الله ، وقالا : يضمن الجلد مدبوغا ويعطي ما زاد الدباغ فيه ) ولو هلك في يده لا يضمنه بالإجماع . أبي حنيفة
أما الخل : فلأنه لما بقي على ملك مالكه وهو مال متقوم ضمنه بالإتلاف . ويجب مثله ; لأن الخل من ذوات الأمثال ، وأما الجلد فلهما : أنه باق على ملك المالك حتى كان له أن يأخذه ، وهو مال متقوم ، فيضمنه مدبوغا بالاستهلاك ، ويعطيه المالك ما زاد الدباغ فيه كما إذا غصب ثوبا فصبغه ثم استهلكه يضمنه ، ويعطيه المالك ما زاد الصبغ فيه ; ولأنه واجب الرد ; فإذا فوته عليه خلفه قيمته كما في المستعار وبهذا فارق الهلاك بنفسه ، وقولهما : يعطي ما زاد الدباغ فيه محمول على اختلاف الجنس .
أما عند اتحاده فيطرح عنه ذلك القدر ويؤخذ منه الباقي لعدم الفائدة في الأخذ منه ، ثم في الرد عليه ، وله : أن التقوم حصل بصنع الغاصب وصنعته متقومة لاستعماله مالا متقوما فيه ، ولهذا كان له أن يحبسه حتى يستوفي ما زاد الدباغ فيه ، فكان حقا له والجلد تبع له في حق التقوم ، ثم الأصل وهو الصنعة غير مضمون عليه ، فكان التابع كما إذا هلك من غير قيمته ، بخلاف وجوب الرد حال قيامه ; لأنه يتبع الملك والجلد غير تابع الصنعة في حق الملك لثبوته قبلها ، وإن لم يكن متقوما ، بخلاف الذكي والثوب ; لأن التقوم فيهما كان ثابتا قبل الدبغ والصبغ ، فلم يكن تابعا للصنعة ; ولو كان قائما فأراد المالك أن يتركه [ ص: 416 ] على الغاصب في هذا الوجه ويضمنه قيمته قيل : ليس له ذلك ; لأن الجلد لا قيمة له بخلاف صبغ الثوب ; لأن له قيمة : وقيل ليس له ذلك عند رحمه الله ، وعندهما : له ذلك ; لأنه إذا تركه عليه وضمنه عجز الغاصب عن رده فصار كالاستملاك ، وهو على هذا الخلاف على ما بيناه ، ثم قيل : يضمنه قيمة جلد مدبوغ ويعطيه ما زاد الدباغ فيه كما في الاستهلاك ، وقيل : يضمنه قيمة جلد ذكي غير مدبوغ ، ولو دبغه بما لا قيمة له كالتراب والشمس فهو لمالكه بلا شيء ; لأنه بمنزلة غسل الثوب . ولو استهلكه الغاصب يضمن قيمته مدبوغا ، وقيل : طاهرا غير مدبوغ ; لأن وصف الدباغة هو الذي حصله ، فلا يضمنه . أبي حنيفة
وجه الأول وعليه الأكثرون : أن صفة الدباغة تابعة للجلد ، فلا تفرد عنه وإذا صار الأصل مضمونا عليه فكذا صفته . ولو قالوا عند خلل الخمر بإلقاء الملح فيه رحمه الله : صار ملكا للغاصب ولا شيء له عليه ، وعندهما : أخذه المالك ، وأعطى ما زاد الملح فيه بمنزلة دبغ الجلد ، ومعناه هاهنا : أن يعطى مثل وزن الملح من الخل ، وإن أراد المالك تركه عليه وتضمينه فهو على ما قيل ; وقيل في دبغ الجلد : ولو استهلكها لا يضمنها عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما ، كما في دبغ الجلد . أبي حنيفة
ولو خللها بإلقاء الخل فيها ، فعن رحمه الله : أنه إن صار خلا من ساعته يصير ملكا للغاصب ، ولا شيء عليه ; لأنه استهلاك له ، وهو غير متقوم وإن لم تصر خلا إلا بعد زمان ، بأن كان الملقى فيه خلا قليلا ، فهو بينهما على قدر كيلهما ; لأن خلط الخل بالخل في التقدير وهو على أصله ليس باستهلاك ، وعند محمد رحمه الله : هو للغاصب في الوجهين ، ولا شيء عليه ; لأن نفس الخلط استهلاك عنده ، ولا ضمان في الاستهلاك ; لأنه أتلف ملك نفسه . أبي حنيفة
وعن رحمه الله : لا يضمن بالاستهلاك في الوجه الأول لما بينا ويضمن في الوجه الثاني ; لأنه أتلف ملك غيره . وبعض المشايخ أجروا جواب الكتاب على إطلاقه أن للمالك أن يأخذ الخل في الوجوه كلها بغير شيء ; لأن الملقى فيه [ ص: 417 ] يصير مستهلكا في الخمر ، فلم يبق متقوما ، وقد كثرت فيه أقوال المشايخ ، وقد أثبتناها في كفاية المنتهى . . محمد