الجملة الثانية
في الأركان
nindex.php?page=treesubj&link=2423_2424_2425والأركان ثلاثة : اثنان متفق عليهما ( وهما : الزمان والإمساك عن المفطرات ) . والثالث مختلف فيه وهو : النية .
[ الركن الأول ]
[ الزمان ]
فأما الركن الأول الذي هو الزمان ، فإنه ينقسم إلى قسمين :
أحدهما : زمان الوجوب ( وهو شهر رمضان ) .
والآخر : زمان الإمساك عن المفطرات ( وهو أيام هذا الشهر دون الليالي ) .
ويتعلق بكل واحد من هذين الزمانين مسائل قواعد اختلفوا فيها ، فلنبدأ بما يتعلق من ذلك بزمان الوجوب :
وأول ذلك : في تحديد طرفي هذا الزمان .
وثانيا : في معرفة الطريق التي بها يتوصل إلى معرفة العلامة المحدودة في حق شخص شخص وأفق أفق .
فأما طرفا هذا الزمان : فإن العلماء أجمعوا على أن الشهر العربي يكون تسعا وعشرين ويكون ثلاثين ،
[ ص: 238 ] وعلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=2384الاعتبار في تحديد شهر رمضان إنما هو الرؤية ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006170صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " وعنى بالرؤية أول ظهور القمر بعد السؤال .
واختلفوا في الحكم
nindex.php?page=treesubj&link=2392_2383إذا غم الشهر ولم تمكن الرؤية ، وفي وقت الرؤية المعتبر :
فأما اختلافهم إذا غم الهلال : فإن الجمهور يرون أن الحكم في ذلك أن تكمل العدة ثلاثين ، فإن كان الذي غم هلال أول الشهر عد الشهر الذي قبله ثلاثين يوما ، وكان أول رمضان الحادي والثلاثين ، وإن كان الذي غم هلال آخر الشهر صام الناس ثلاثين يوما .
وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر إلى أنه إن كان المغمى عليه هلال أول الشهر صيم اليوم الثاني وهو الذي يعرف بيوم الشك .
وروى بعض السلف أنه إذا أغمي الهلال رجع إلى الحساب بمسير القمر والشمس ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف بن الشخير وهو من كبار التابعين .
وحكى
ابن سريج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قال : من كان مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر ثم تبين له من جهة الاستدلال أن الهلال مرئي وقد غم ، فإن له أن يعقد الصوم ويجزيه .
وسبب اختلافهم : الإجمال الذي في قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006171صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له " . فذهب الجمهور إلى أن تأويله أكملوا العدة ثلاثين . ومنهم من رأى أن معنى التقدير له هو عده بالحساب . ومنهم من رأى أن معنى ذلك أن يصبح المرء صائما ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - كما ذكرنا - وفيه بعد في اللفظ .
وإنما صار الجمهور إلى هذا التأويل لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس الثابت أنه قال - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006172فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " وذلك مجمل وهذا مفسر ، فوجب أن يحمل المجمل على المفسر ، وهي طريقة لا خلاف فيها بين الأصوليين ، فإنهم ليس عندهم بين المجمل والمفسر تعارض أصلا ، فمذهب الجمهور في هذا لائح - والله أعلم .
وأما اختلافهم في اعتبار
nindex.php?page=treesubj&link=2393وقت الرؤية : فإنهم اتفقوا على أنه إذا رؤي من العشي أن الشهر من اليوم الثاني ، واختلفوا إذا رؤي في سائر أوقات النهار - أعني : أول ما رؤي - فمذهب الجمهور أن القمر في أول وقت رؤي من النهار أنه لليوم المستقبل كحكم رؤيته بالعشي ، وبهذا القول قال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأبو حنيفة وجمهور أصحابهم . وقال
أبو يوسف من أصحاب
أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري وابن حبيب من أصحاب
مالك : إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية وإن رؤي بعد الزوال فهو للآتية .
وسبب اختلافهم : ترك اعتبار التجربة فيما سبيله التجربة والرجوع إلى الأخبار في ذلك ، وليس في ذلك أثر عن النبي - عليه الصلاة والسلام - يرجع إليه ، لكن روي عن
عمر - رضي الله عنه - أثران : أحدهما عام ، والآخر مفسر ، فذهب قوم إلى العام وذهب قوم إلى المفسر .
فأما العام : فما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن
nindex.php?page=showalam&ids=16115أبي وائل شقيق بن سلمة قال : أتانا كتاب
عمر ونحن بخانقين أن الأهلة بعضها أكبر من بعض ، فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان أنهما رأياه بالأمس .
وأما الخاص : فما روى
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري عنه أنه بلغ
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أن قوما رأوا الهلال بعد الزوال فأفطروا ،
[ ص: 239 ] فكتب إليهم يلومهم وقال : إذا رأيتم الهلال نهارا قبل الزوال فأفطروا ، وإذا رأيتموه بعد الزوال فلا تفطروا .
قال القاضي : الذي يقتضي القياس والتجربة أن القمر لا يرى والشمس بعد لم تغب إلا وهو بعيد منها ، لأنه حينئذ يكون أكبر من قوس الرؤية ، وإن كان يختلف في الكبر والصغر فبعيد - والله أعلم - أن يبلغ من الكبر أن يرى والشمس بعد لم تغب ، ولكن المعتمد في ذلك التجربة كما قلنا ولا فرق في ذلك قبل الزوال ولا بعده ، وإنما المعتبر في ذلك مغيب الشمس أو لا مغيبها .
وأما اختلافهم في حصول العلم بالرؤية : فإن له طريقين : أحدهما الحس ، والآخر الخبر .
فأما طريق الحس : فإن العلماء أجمعوا على أن من
nindex.php?page=treesubj&link=2408أبصر هلال الصوم وحده أن عليه أن يصوم ، إلا
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح فإنه قال : لا يصوم إلا برؤية غيره معه ، واختلفوا هل يفطر برؤيته وحده ؟ فذهب
مالك وأبو حنيفة وأحمد إلى أنه لا يفطر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يفطر ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور ، وهذا لا معنى له ، فإن النبي - عليه الصلاة والسلام - قد أوجب الصوم والفطر للرؤية ، والرؤية إنما تكون بالحس ، ولولا الإجماع على الصيام بالخبر عن الرؤية لبعد وجوب الصيام بالخبر لظاهر هذا الحديث ، وإنما فرق من فرق بين هلال الصوم والفطر لمكان سد الذريعة أن لا يدعي الفساق أنهم رأوا الهلال فيفطرون وهم بعد لم يروه ، ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إن خاف التهمة أمسك عن الأكل والشرب واعتقد الفطر ، وشذ
مالك فقال : من أفطر وقد رأى الهلال وحده فعليه القضاء والكفارة . وقال
أبو حنيفة : عليه القضاء فقط .
وأما طريق الخبر : فإنهم اختلفوا في عدد
nindex.php?page=treesubj&link=2387_2388المخبرين الذين يجب قبول خبرهم عن الرؤية وفي صفتهم : فأما
مالك فقال : إنه لا يجوز أن يصام ولا يفطر بأقل من شهادة رجلين عدلين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في رواية
المزني : إنه يصام بشهادة رجل واحد على الرؤية ، ولا يفطر بأقل من شهادة رجلين . وقال
أبو حنيفة : إن كانت السماء مغيمة قبل واحد ، وإن كانت صاحية بمصر كبير لم تقبل إلا شهادة الجم الغفير . وروي عنه أنه تقبل شهادة عدلين إذا كانت السماء مصحية . وقد روي عن
مالك : أنه لا تقبل شهادة الشاهدين إلا إذا كانت السماء مغيمة .
وأجمعوا على أنه لا يقبل في الفطر إلا اثنان ، إلا
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبا ثور فإنه لم يفرق في ذلك بين الصوم والفطر كما فرق
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وسبب اختلافهم : اختلاف الآثار في هذا الباب ، وتردد الخبر في ذلك بين أن يكون من باب الشهادة أو من باب العمل بالأحاديث التي لا يشترط فيها العدد .
أما الآثار : فمن ذلك ما خرجه
أبو داود عن
عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب الناس في اليوم الذي يشك فيه فقال : إني جالست أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسألتهم، وكلهم حدثوني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006173صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين ، فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا " .
ومنها حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006174جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أبصرت الهلال الليلة ، فقال أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا " خرجه
الترمذي . قال : وفي إسناده خلاف لأنه رواه جماعة مرسلا .
[ ص: 240 ] ومنها حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15883ربعي بن خراش خرجه
أبو داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=15883ربعي بن خراش عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006175كان الناس في آخر يوم من رمضان فقام أعرابيان فشهدا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل الهلال أمس عشية ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس أن يفطروا وأن يعودوا إلى المصلى " .
فذهب الناس في هذه الآثار مذهب الترجيح ومذهب الجمع ،
فالشافعي جمع بين حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=15883ربعي بن خراش على ظاهرهما ، فأوجب الصوم بشهادة واحد والفطر باثنين .
ومالك رجح حديث
عبد الرحمن بن زيد لمكان القياس - أعني : تشبيه ذلك بالشهادة في الحقوق .
ويشبه أن يكون
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور لم ير تعارضا بين حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=15883ربعي بن خراش ، وذلك أن الذي في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15883ربعي بن خراش أنه قضى بشهادة اثنين ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قضى بشهادة واحد ، وذلك مما يدل على جواز الأمرين جميعا ، لا أن ذلك تعارض ، ولا أن القضاء الأول مختص بالصوم والثاني بالفطر ، فإن القول بهذا إنما ينبني على توهم التعارض ، وكذلك يشبه أن لا يكون تعارض بين حديث
عبد الرحمن بن زيد وبين حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس إلا بدليل الخطاب ، وهو ضعيف إذا عارضه النص ، فقد نرى أن قول
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور على شذوذه هو أبين ، مع أن تشبيه الرائي بالراوي هو أمثل من تشبيهه بالشاهد ، لأن الشهادة إما أن يقول إن اشتراط العدد فيها عبادة غير معللة فلا يجوز أن يقيس عليها ، وإما أن يقول : إن اشتراط العدد فيها هو لموضع التنازع الذي في الحقوق ، والشبهة التي تعرض من قبل قول أحد الخصمين فاشترط فيها العدد وليكون الظن أغلب والميل إلى حجة أحد الخصمين أقوى ، ولم يتعد بذلك الاثنين لئلا يعسر قيام الشهادة فتبطل الحقوق ، وليس في رؤية القمر شبهة من مخالف توجب الاستظهار بالعدد .
ويشبه أن يكون
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إنما فرق بين هلال الفطر وهلال الصوم للتهمة التي تعرض للناس في هلال الفطر ولا تعرض في هلال الصوم ، ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15286أبي بكر بن المنذر هو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور أحسبه هو مذهب أهل الظاهر وقد احتج
nindex.php?page=showalam&ids=15286أبو بكر بن المنذر لهذا الحديث بانعقاد الإجماع على وجوب الفطر والإمساك عن الأكل بقول واحد ، فوجب أن يكون الأمر كذلك في دخول الشهر وخروجه ، إذ كلاهما علامة تفصل زمان الفطر من زمان الصوم .
وإذا قلنا : إن الرؤية تثبت بالخبر في حق من لم يره ، فهل يتعدى ذلك من بلد إلى بلد ؟ - أعني :
nindex.php?page=treesubj&link=2384هل يجب على أهل بلد ما إذا لم يروه أن يأخذوا في ذلك برؤية بلد آخر أم لكل بلد رؤية ؟ - فيه خلاف ، فأما
مالك فإن
ابن القاسم والمصريين رووا عنه أنه إذا ثبت عند أهل بلد أن أهل بلد آخر رأوا الهلال أن عليهم قضاء ذلك اليوم الذي أفطروه وصامه غيرهم ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد . وروى المدنيون عن
مالك أن الرؤية لا تلزم بالخبر عند أهل البلد الذي وقعت فيه الرؤية ، إلا أن يكون الإمام يحمل الناس على ذلك ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=12873ابن الماجشون والمغيرة من أصحاب
مالك ، وأجمعوا أنه لا يراعى ذلك في البلدان النائية كالأندلس والحجاز .
والسبب في هذا الخلاف : تعارض الأثر والنظر .
أما النظر : فهو أن البلاد إذا لم تختلف مطالعها كل الاختلاف فيجب أن يحمل بعضها على بعض لأنها في قياس الأفق الواحد . وأما إذا اختلفت اختلافا كثيرا فليس يجب أن يحمل بعضها على بعض .
[ ص: 241 ] وأما الأثر : فما رواه
مسلم عن
كريب أن
nindex.php?page=showalam&ids=11696أم الفضل بنت الحرث بعثته إلى
معاوية بالشام فقال : قدمت
الشام فقضيت حاجتها ، واستهل علي رمضان وأنا
بالشام ، فرأيت الهلال ليلة الجمعة ، ثم قدمت
المدينة في آخر الشهر فسألني
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ، ثم ذكر الهلال فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : رأيته ليلة الجمعة ، فقال : أنت رأيته ؟ فقلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام
معاوية قال : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين يوما أو نراه ، فقلت : ألا تكتفي برؤية
معاوية ؟ فقال لا ، هكذا أمرنا النبي - عليه الصلاة والسلام .
فظاهر هذا الأثر يقتضي أن لكل بلد رؤيته قرب أو بعد ، والنظر يعطي الفرق بين البلاد النائية والقريبة ، وبخاصة ما كان نأيه في الطول والعرض كثيرا . وإذا بلغ الخبر مبلغ التواتر لم يحتج فيه إلى شهادة . فهذه هي المسائل التي تتعلق بزمان الوجوب .
وأما التي تتعلق
nindex.php?page=treesubj&link=32961بزمان الإمساك : فإنهم اتفقوا على أن آخره غيبوبة الشمس لقوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187ثم أتموا الصيام إلى الليل ) واختلفوا في أوله ، فقال الجمهور : هو طلوع الفجر الثاني المستطير الأبيض لثبوت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعني : حده بالمستطير - ولظاهر قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187حتى يتبين لكم الخيط الأبيض ) الآية . وشذت فرقة فقالوا : هو الفجر الأحمر الذي يكون بعد الأبيض وهو نظير الشفق الأحمر ، وهو مروي عن
حذيفة nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود .
وسبب هذا الخلاف هو : اختلاف الآثار في ذلك ، واشتراك اسم الفجر - أعني : أنه يقال على الأبيض والأحمر - .
وأما الآثار التي احتجوا بها : فمنها حديث
ذر عن
حذيفة قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006176تسحرت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو أشاء أن أقول هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع " . وخرج
أبو داود عن
قيس بن طلق عن أبيه أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006177كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر " . قال
أبو داود : هذا ما تفرد به أهل اليمامة وهذا شذوذ ، فإن قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187حتى يتبين لكم الخيط الأبيض ) نص في ذلك أو كالنص .
والذين رأوا أنه الفجر الأبيض المستطير - وهم الجمهور والمعتمد - اختلفوا في الحد المحرم للأكل فقال قوم : هو طلوع الفجر نفسه . وقال قوم : هو تبينه عند الناظر إليه ومن لم يتبينه ، فالأكل مباح له حتى يتبينه وإن كان قد طلع . وفائدة الفرق : أنه إذا انكشف أن ما ظن من أنه لم يطلع كان قد طلع ، فمن كان الحد عنده هو الطلوع نفسه أوجب عليه القضاء ، ومن قال : هو العلم الحاصل به لم يوجب عليه قضاء .
وسبب الاختلاف في ذلك : الاحتمال الذي في قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) هل الإمساك بالتبيين نفسه أو بالشيء المتبين ؟ لأن العرب تتجوز فتستعمل لاحق الشيء بدل الشيء على وجه الاستعارة فكأنه قال - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ) لأنه إذا تبين في نفسه تبين لنا ، فإذا إضافة التبيين لنا هي التي أوقعت الخلاف ، لأنه قد يتبين في نفسه ويتميز ولا يتبين لنا ، وظاهر اللفظ يوجب تعلق الإمساك بالعلم ، والقياس يوجب تعلقه بالطلوع نفسه - أعني : قياسا على الغروب وعلى سائر حدود الأوقات الشرعية كالزوال وغيره - ، فإن الاعتبار
[ ص: 242 ] في جميعها في الشرع هو بالأمر نفسه لا بالعلم المتعلق به .
والمشهور عن
مالك وعليه الجمهور أن الأكل يجوز أن يتصل بالطلوع ، وقيل بل يجب الإمساك قبل الطلوع .
والحجة للقول الأول ما في كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أظنه في بعض رواياته ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006178وكلوا واشربوا حتى ينادي nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم ، فإنه لا ينادي حتى يطلع الفجر " . وهو نص في موضع الخلاف أو كالنص ، والموافق لظاهر قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187وكلوا واشربوا ) الآية . ومن ذهب إلى أنه يجب الإمساك قبل الفجر فجريا على الاحتياط وسدا للذريعة ، وهو أورع القولين ، والأول أقيس - والله أعلم .
الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ
فِي الْأَرْكَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=2423_2424_2425وَالْأَرْكَانُ ثَلَاثَةٌ : اثْنَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ( وَهُمَا : الزَّمَانُ وَالْإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ ) . وَالثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ : النِّيَّةُ .
[ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ ]
[ الزَّمَانُ ]
فَأَمَّا الرُّكْنُ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ الزَّمَانُ ، فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : زَمَانُ الْوُجُوبِ ( وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ ) .
وَالْآخَرُ : زَمَانُ الْإِمْسَاكِ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ ( وَهُوَ أَيَّامُ هَذَا الشَّهْرِ دُونَ اللَّيَالِي ) .
وَيَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الزَّمَانَيْنِ مَسَائِلُ قَوَاعِدُ اخْتَلَفُوا فِيهَا ، فَلْنَبْدَأْ بِمَا يَتَعَلَّقُ مِنْ ذَلِكَ بِزَمَانِ الْوُجُوبِ :
وَأَوَّلُ ذَلِكَ : فِي تَحْدِيدِ طَرَفَيْ هَذَا الزَّمَانِ .
وَثَانِيًا : فِي مَعْرِفَةِ الطَّرِيقِ الَّتِي بِهَا يُتَوَصَّلُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْعَلَامَةِ الْمَحْدُودَةِ فِي حَقِّ شَخْصٍ شَخْصٍ وَأُفُقٍ أُفُقٍ .
فَأَمَّا طَرَفَا هَذَا الزَّمَانِ : فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الشَّهْرَ الْعَرَبِيَّ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَيَكُونُ ثَلَاثِينَ ،
[ ص: 238 ] وَعَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=2384الِاعْتِبَارَ فِي تَحْدِيدِ شَهْرِ رَمَضَانَ إِنَّمَا هُوَ الرُّؤْيَةُ ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006170صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ " وَعَنَى بِالرُّؤْيَةِ أَوَّلَ ظُهُورِ الْقَمَرِ بَعْدَ السُّؤَالِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ
nindex.php?page=treesubj&link=2392_2383إِذَا غُمَّ الشَّهْرُ وَلَمْ تُمْكِنِ الرُّؤْيَةُ ، وَفِي وَقْتِ الرُّؤْيَةِ الْمُعْتَبَرِ :
فَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ إِذَا غُمَّ الْهِلَالُ : فَإِنَّ الْجُمْهُورَ يَرَوْنَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ أَنْ تُكْمَلَ الْعِدَّةُ ثَلَاثِينَ ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي غُمَّ هِلَالُ أَوَّلِ الشَّهْرِ عُدَّ الشَّهْرُ الَّذِي قَبْلَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ، وَكَانَ أَوَّلُ رَمَضَانَ الْحَادِيَ وَالثَّلَاثِينَ ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي غُمَّ هِلَالَ آخِرِ الشَّهْرِ صَامَ النَّاسُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا .
وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُغَمَّى عَلَيْهِ هِلَالَ أَوَّلِ الشَّهْرِ صِيمَ الْيَوْمُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِيَوْمِ الشَّكِّ .
وَرَوَى بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّهُ إِذَا أُغْمِيَ الْهِلَالُ رَجَعَ إِلَى الْحِسَابِ بِمَسِيرِ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=17098مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ .
وَحَكَى
ابْنُ سُرَيْجٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ كَانَ مَذْهَبُهُ الِاسْتِدْلَالَ بِالنُّجُومِ وَمَنَازِلِ الْقَمَرِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْهِلَالَ مَرْئِيٌّ وَقَدْ غُمَّ ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ الصَّوْمَ وَيُجْزِيَهُ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمُ : الْإِجْمَالُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006171صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " . فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ تَأْوِيلَهُ أَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ . وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ مَعْنَى التَّقْدِيرِ لَهُ هُوَ عَدُّهُ بِالْحِسَابِ . وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُصْبِحَ الْمَرْءُ صَائِمًا ، وَهُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ - كَمَا ذَكَرْنَا - وَفِيهِ بُعْدٌ فِي اللَّفْظِ .
وَإِنَّمَا صَارَ الْجُمْهُورُ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّابِتِ أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006172فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " وَذَلِكَ مُجْمَلٌ وَهَذَا مُفَسَّرٌ ، فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ الْمُجْمَلُ عَلَى الْمُفَسَّرِ ، وَهِيَ طَرِيقَةٌ لَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ ، فَإِنَّهُمْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْمُجْمَلِ وَالْمُفَسَّرِ تَعَارُضٌ أَصْلًا ، فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ فِي هَذَا لَائِحٌ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي اعْتِبَارِ
nindex.php?page=treesubj&link=2393وَقْتِ الرُّؤْيَةِ : فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا رُؤِيَ مِنَ الْعَشِيِّ أَنَّ الشَّهْرَ مِنَ الْيَوْمِ الثَّانِي ، وَاخْتَلَفُوا إِذَا رُؤِيَ فِي سَائِرِ أَوْقَاتِ النَّهَارِ - أَعْنِي : أَوَّلَ مَا رُؤِيَ - فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْقَمَرَ فِي أَوَّلِ وَقْتٍ رُؤِيَ مِنَ النَّهَارِ أَنَّهُ لِلْيَوْمِ الْمُسْتَقْبَلِ كَحُكْمِ رُؤْيَتِهِ بِالْعَشِيِّ ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ
مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِمْ . وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ مِنْ أَصْحَابِ
أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِ
مَالِكٍ : إِذَا رُؤِيَ الْهِلَالُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ رُؤِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلْآتِيَةِ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : تَرْكُ اعْتِبَارِ التَّجْرِبَةِ فِيمَا سَبِيلُهُ التَّجْرِبَةُ وَالرُّجُوعُ إِلَى الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُرْجَعُ إِلَيْهِ ، لَكِنْ رُوِيَ عَنْ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَثَرَانِ : أَحَدُهُمَا عَامٌّ ، وَالْآخَرُ مُفَسِّرٌ ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى الْعَامِّ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى الْمُفَسِّرِ .
فَأَمَّا الْعَامُّ : فَمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16115أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : أَتَانَا كِتَابُ
عُمَرَ وَنَحْنُ بِخَانِقِينَ أَنَّ الْأَهِلَّةَ بَعْضَهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ نَهَارًا فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ رَجُلَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالْأَمْسِ .
وَأَمَّا الْخَاصُّ : فَمَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ بَلَغَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ قَوْمًا رَأَوُا الْهِلَالَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَأَفْطَرُوا ،
[ ص: 239 ] فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ يَلُومُهُمْ وَقَالَ : إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ نَهَارًا قَبْلَ الزَّوَالِ فَأَفْطِرُوا ، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا تُفْطِرُوا .
قَالَ الْقَاضِي : الَّذِي يَقْتَضِي الْقِيَاسَ وَالتَّجْرِبَةَ أَنَّ الْقَمَرَ لَا يُرَى وَالشَّمْسُ بَعْدُ لَمْ تَغِبْ إِلَّا وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْهَا ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَكْبَرَ مِنْ قَوْسِ الرُّؤْيَةِ ، وَإِنْ كَانَ يَخْتَلِفُ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ فَبَعِيدٌ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَبْلُغَ مِنَ الْكِبَرِ أَنْ يُرَى وَالشَّمْسُ بَعْدُ لَمْ تَغِبْ ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ التَّجْرِبَةُ كَمَا قُلْنَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا بَعْدَهُ ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَغِيبُ الشَّمْسِ أَوْ لَا مَغِيبُهَا .
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ بِالرُّؤْيَةِ : فَإِنَّ لَهُ طَرِيقَيْنِ : أَحَدُهُمَا الْحِسُّ ، وَالْآخَرُ الْخَبَرُ .
فَأَمَّا طَرِيقُ الْحِسِّ : فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=2408أَبْصَرَ هِلَالَ الصَّوْمِ وَحْدَهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ، إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَإِنَّهُ قَالَ : لَا يَصُومُ إِلَّا بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِ مَعَهُ ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُفْطِرُ بِرُؤْيَتِهِ وَحْدَهُ ؟ فَذَهَبَ
مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : يُفْطِرُ ، وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11956أَبُو ثَوْرٍ ، وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ أَوْجَبَ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ لِلرُّؤْيَةِ ، وَالرُّؤْيَةُ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْحِسِّ ، وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى الصِّيَامِ بِالْخَبَرِ عَنِ الرُّؤْيَةِ لَبَعُدَ وُجُوبُ الصِّيَامِ بِالْخَبَرِ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هِلَالِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ لِمَكَانِ سَدِّ الذَّرِيعَةِ أَنْ لَا يَدَّعِيَ الْفُسَّاقُ أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلَالَ فَيُفْطِرُونَ وَهُمْ بَعْدُ لَمْ يَرَوْهُ ، وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : إِنْ خَافَ التُّهْمَةَ أَمْسَكَ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاعْتَقَدَ الْفِطْرَ ، وَشَذَّ
مَالِكٌ فَقَالَ : مَنْ أَفْطَرَ وَقَدْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ .
وَأَمَّا طَرِيقُ الْخَبَرِ : فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ
nindex.php?page=treesubj&link=2387_2388الْمُخْبِرِينَ الَّذِينَ يَجِبُ قَبُولُ خَبَرِهِمْ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَفِي صِفَتِهِمْ : فَأَمَّا
مَالِكٌ فَقَالَ : إِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَامَ وَلَا يُفْطَرَ بِأَقَلِّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ
الْمُزَنِيِّ : إِنَّهُ يُصَامُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى الرُّؤْيَةِ ، وَلَا يُفْطَرُ بِأَقَلَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ كَانَتِ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً قُبِلَ وَاحِدٌ ، وَإِنْ كَانَتْ صَاحِيَةً بِمِصْرٍ كَبِيرٍ لَمْ تُقْبَلْ إِلَّا شَهَادَةُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
مَالِكٍ : أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِينَ إِلَّا إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً .
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْفِطْرِ إِلَّا اثْنَانِ ، إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=11956أَبَا ثَوْرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ كَمَا فَرَّقَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمُ : اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَتَرَدُّدُ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ أَوْ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ .
أَمَّا الْآثَارُ : فَمِنْ ذَلِكَ مَا خَرَّجَهُ
أَبُو دَاوُدَ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَالَ : إِنِّي جَالَسْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَأَلْتُهُمْ، وَكُلُّهُمْ حَدَّثُونِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006173صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتِمُّوا ثَلَاثِينَ ، فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا " .
وَمِنْهَا حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006174جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : أَبْصَرْتُ الْهِلَالَ اللَّيْلَةَ ، فَقَالَ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا " خَرَّجَهُ
التِّرْمِذِيُّ . قَالَ : وَفِي إِسْنَادِهِ خِلَافٌ لِأَنَّهُ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مُرْسَلًا .
[ ص: 240 ] وَمِنْهَا حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=15883رِبْعِيِّ بْنِ خِرَاشٍ خَرَّجَهُ
أَبُو دَاوُدَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15883رِبْعِيِّ بْنِ خِرَاشٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006175كَانَ النَّاسُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَامَ أَعْرَابِيَّانِ فَشَهِدَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَهَلَّ الْهِلَالُ أَمْسِ عَشِيَّةً ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا وَأَنْ يَعُودُوا إِلَى الْمُصَلَّى " .
فَذَهَبَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْآثَارِ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ وَمَذْهَبَ الْجَمْعِ ،
فَالشَّافِعِيُّ جَمَعَ بَيْنَ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=15883رِبْعِيِّ بْنِ خِرَاشٍ عَلَى ظَاهِرِهِمَا ، فَأَوْجَبَ الصَّوْمَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَالْفِطْرَ بِاثْنَيْنِ .
وَمَالِكٌ رَجَّحَ حَدِيثَ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ لِمَكَانِ الْقِيَاسِ - أَعْنِي : تَشْبِيهَ ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ فِي الْحُقُوقِ .
وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=showalam&ids=11956أَبُو ثَوْرٍ لَمْ يَرَ تَعَارُضًا بَيْنَ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=15883رِبْعِيِّ بْنِ خِرَاشٍ ، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=15883رِبْعِيِّ بْنِ خِرَاشٍ أَنَّهُ قَضَى بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ، وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَضَى بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ ، وَذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا ، لَا أَنَّ ذَلِكَ تَعَارُضٌ ، وَلَا أَنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ مُخْتَصٌّ بِالصَّوْمِ وَالثَّانِيَ بِالْفِطْرِ ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِهَذَا إِنَّمَا يَنْبَنِي عَلَى تَوَهُّمِ التَّعَارُضِ ، وَكَذَلِكَ يُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ تَعَارُضٌ بَيْنَ حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَبَيْنَ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا بِدَلِيلِ الْخِطَابِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ إِذَا عَارَضَهُ النَّصُّ ، فَقَدْ نَرَى أَنَّ قَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=11956أَبِي ثَوْرٍ عَلَى شُذُوذِهِ هُوَ أَبْيَنُ ، مَعَ أَنَّ تَشْبِيهَ الرَّائِي بِالرَّاوِي هُوَ أَمْثَلُ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالشَّاهِدِ ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إِمَّا أَنْ يَقُولَ إِنَّ اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ فِيهَا عِبَادَةٌ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقِيسَ عَلَيْهَا ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ : إِنَّ اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ فِيهَا هُوَ لِمَوْضِعِ التَّنَازُعِ الَّذِي فِي الْحُقُوقِ ، وَالشُّبْهَةِ الَّتِي تَعْرِضُ مِنْ قِبَلِ قَوْلِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فَاشْتَرَطَ فِيهَا الْعَدَدَ وَلِيَكُونَ الظَّنُّ أَغْلَبَ وَالْمَيْلُ إِلَى حُجَّةِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَقْوَى ، وَلَمْ يَتَعَدَّ بِذَلِكَ الِاثْنَيْنِ لِئَلَّا يَعْسُرَ قِيَامُ الشَّهَادَةِ فَتَبْطُلَ الْحُقُوقُ ، وَلَيْسَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ شُبْهَةٌ مِنْ مُخَالِفٍ تُوجِبُ الِاسْتِظْهَارَ بِالْعَدَدِ .
وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ إِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ هِلَالِ الْفِطْرِ وَهِلَالِ الصَّوْمِ لِلتُّهْمَةِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلنَّاسِ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَلَا تَعْرِضَ فِي هِلَالِ الصَّوْمِ ، وَمَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=15286أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ هُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=11956أَبِي ثَوْرٍ أَحْسَبُهُ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَقَدِ احْتَجَّ
nindex.php?page=showalam&ids=15286أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْفِطْرِ وَالْإِمْسَاكِ عَنِ الْأَكْلِ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي دُخُولِ الشَّهْرِ وَخُرُوجِهِ ، إِذْ كِلَاهُمَا عَلَامَةٌ تَفْصِلُ زَمَانَ الْفِطْرِ مِنْ زَمَانِ الصَّوْمِ .
وَإِذَا قُلْنَا : إِنَّ الرُّؤْيَةَ تَثْبُتُ بِالْخَبَرِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ ، فَهَلْ يَتَعَدَّى ذَلِكَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ ؟ - أَعْنِي :
nindex.php?page=treesubj&link=2384هَلْ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مَا إِذَا لَمْ يَرَوْهُ أَنْ يَأْخُذُوا فِي ذَلِكَ بِرُؤْيَةِ بَلَدٍ آخَرَ أَمْ لِكُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَةٌ ؟ - فِيهِ خِلَافٌ ، فَأَمَّا
مَالِكٌ فَإِنَّ
ابْنَ الْقَاسِمِ وَالْمِصْرِيِّينَ رَوَوْا عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ عِنْدَ أَهْلِ بَلَدٍ أَنَّ أَهْلَ بَلَدٍ آخَرَ رَأَوُا الْهِلَالَ أَنَّ عَلَيْهِمْ قَضَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرُوهُ وَصَامَهُ غَيْرُهُمْ ، وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ . وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ عَنْ
مَالِكٍ أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْخَبَرِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الرُّؤْيَةُ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ ، وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12873ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمُغِيرَةُ مِنْ أَصْحَابِ
مَالِكٍ ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُرَاعَى ذَلِكَ فِي الْبُلْدَانِ النَّائِيَةِ كَالْأَنْدَلُسِ وَالْحِجَازِ .
وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الْخِلَافِ : تَعَارُضُ الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ .
أَمَّا النَّظَرُ : فَهُوَ أَنَّ الْبِلَادَ إِذَا لَمْ تَخْتَلِفْ مَطَالِعُهَا كُلَّ الِاخْتِلَافِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِأَنَّهَا فِي قِيَاسِ الْأُفُقِ الْوَاحِدِ . وَأَمَّا إِذَا اخْتَلَفَتِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَلَيْسَ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ .
[ ص: 241 ] وَأَمَّا الْأَثَرُ : فَمَا رَوَاهُ
مُسْلِمٌ عَنْ
كُرَيْبٍ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11696أُمَّ الْفَضْلِ بَنَتَ الْحَرْثِ بَعَثَتْهُ إِلَى
مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ فَقَالَ : قَدِمْتُ
الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا ، وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا
بِالشَّامِ ، فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، ثُمَّ قَدِمْتُ
الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ : مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ ؟ فَقُلْتُ : رَأَيْتُهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، فَقَالَ : أَنْتَ رَأَيْتَهُ ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ
مُعَاوِيَةُ قَالَ : لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ نَرَاهُ ، فَقُلْتُ : أَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ
مُعَاوِيَةَ ؟ فَقَالَ لَا ، هَكَذَا أَمَرَنَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
فَظَاهِرُ هَذَا الْأَثَرِ يَقْتَضِي أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ ، وَالنَّظَرُ يُعْطِي الْفَرْقَ بَيْنَ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ وَالْقَرِيبَةِ ، وَبِخَاصَّةٍ مَا كَانَ نَأْيُهُ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ كَثِيرًا . وَإِذَا بَلَغَ الْخَبَرُ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ لَمْ يُحْتَجْ فِيهِ إِلَى شَهَادَةٍ . فَهَذِهِ هِيَ الْمَسَائِلُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِزَمَانِ الْوُجُوبِ .
وَأَمَّا الَّتِي تَتَعَلَّقُ
nindex.php?page=treesubj&link=32961بِزَمَانِ الْإِمْسَاكِ : فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ آخِرَهُ غَيْبُوبَةُ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) وَاخْتَلَفُوا فِي أَوَّلِهِ ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ : هُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ الثَّانِي الْمُسْتَطِيرِ الْأَبْيَضِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْنِي : حَدَّهُ بِالْمُسْتَطِيرِ - وَلِظَاهِرِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ) الْآيَةَ . وَشَذَّتْ فِرْقَةٌ فَقَالُوا : هُوَ الْفَجْرُ الْأَحْمَرُ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ الْأَبْيَضِ وَهُوَ نَظِيرُ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ
حُذَيْفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ .
وَسَبَبُ هَذَا الْخِلَافِ هُوَ : اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ ، وَاشْتِرَاكُ اسْمِ الْفَجْرِ - أَعْنِي : أَنَّهُ يُقَالُ عَلَى الْأَبْيَضِ وَالْأَحْمَرِ - .
وَأَمَّا الْآثَارُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا : فَمِنْهَا حَدِيثُ
ذَرٍّ عَنْ
حُذَيْفَةَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006176تَسَحَّرْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ هُوَ النَّهَارُ إِلَّا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ " . وَخَرَّجَ
أَبُو دَاوُدَ عَنْ
قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006177كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا يَهِيدَنَّكُمُ السَّاطِعُ الْمُصَعَّدُ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ الْأَحْمَرُ " . قَالَ
أَبُو دَاوُدَ : هَذَا مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْيَمَامَةِ وَهَذَا شُذُوذٌ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ) نَصٌّ فِي ذَلِكَ أَوْ كَالنَّصِّ .
وَالَّذِينَ رَأَوْا أَنَّهُ الْفَجْرُ الْأَبْيَضُ الْمُسْتَطِيرُ - وَهُمُ الْجُمْهُورُ وَالْمُعْتَمَدُ - اخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ الْمُحَرِّمِ لِلْأَكْلِ فَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ نَفْسُهُ . وَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ تَبَيُّنُهُ عِنْدَ النَّاظِرِ إِلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَتَبَيَّنْهُ ، فَالْأَكْلُ مُبَاحٌ لَهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ طَلَعَ . وَفَائِدَةُ الْفَرْقِ : أَنَّهُ إِذَا انْكَشَفَ أَنَّ مَا ظُنَّ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ كَانَ قَدْ طَلَعَ ، فَمَنْ كَانَ الْحَدُّ عِنْدَهُ هُوَ الطُّلُوعُ نَفْسُهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ ، وَمَنْ قَالَ : هُوَ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِهِ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ قَضَاءً .
وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ : الِاحْتِمَالُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) هَلِ الْإِمْسَاكُ بِالتَّبْيِينِ نَفْسِهِ أَوْ بِالشَّيْءِ الْمُتَبَيَّنِ ؟ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَتَجَوَّزُ فَتَسْتَعْمِلُ لَاحِقَ الشَّيْءِ بَدَلَ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) لِأَنَّهُ إِذَا تَبَيَّنَ فِي نَفْسِهِ تَبَيَّنَ لَنَا ، فَإِذًا إِضَافَةُ التَّبْيِينِ لَنَا هِيَ الَّتِي أَوْقَعَتِ الْخِلَافَ ، لِأَنَّهُ قَدْ يَتَبَيَّنُ فِي نَفْسِهِ وَيَتَمَيَّزُ وَلَا يَتَبَيَّنُ لَنَا ، وَظَاهِرُ اللَّفْظِ يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْإِمْسَاكِ بِالْعِلْمِ ، وَالْقِيَاسُ يُوجِبُ تَعَلُّقَهُ بِالطُّلُوعِ نَفْسِهِ - أَعْنِي : قِيَاسًا عَلَى الْغُرُوبِ وَعَلَى سَائِرِ حُدُودِ الْأَوْقَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالزَّوَالِ وَغَيْرِهِ - ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ
[ ص: 242 ] فِي جَمِيعِهَا فِي الشَّرْعِ هُوَ بِالْأَمْرِ نَفْسِهِ لَا بِالْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ .
وَالْمَشْهُورُ عَنْ
مَالِكٍ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْأَكْلَ يَجُوزُ أَنْ يَتَّصِلَ بِالطُّلُوعِ ، وَقِيلَ بَلْ يَجِبُ الْإِمْسَاكُ قَبْلَ الطُّلُوعِ .
وَالْحُجَّةُ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا فِي كِتَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ أَظُنُّهُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006178وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ nindex.php?page=showalam&ids=100ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ، فَإِنَّهُ لَا يُنَادِي حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ " . وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ أَوْ كَالنَّصِّ ، وَالْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ) الْآيَةَ . وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْإِمْسَاكُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَجَرْيًا عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَسَدًّا لِلذَّرِيعَةِ ، وَهُوَ أَوْرَعُ الْقَوْلَيْنِ ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ .