الفصل الخامس في الأحكام اللازمة لتمام اللعان .
فأما موجبات اللعان : فإن العلماء اختلفوا من ذلك في مسائل : منها : هل تجب الفرقة أم لا ؟ وإن وجبت فمتى تجب ؟ وهل تجب بنفس اللعان أم بحكم حاكم ؟ وإذا وقعت فهل هي طلاق أو فسخ ؟ [ ص: 493 ] فذهب الجمهور إلى أن لما اشتهر من ذلك في أحاديث اللعان " من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرق بينهما " ، وقال الفرقة تقع باللعان فيما رواه ابن شهاب مالك عنه : فكانت تلك سنة المتلاعنين ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " " ، وقال لا سبيل لك عليها ، وطائفة من عثمان البتي أهل البصرة : لا يعقب اللعان فرقة ، واحتجوا بأن ذلك حكم لم تتضمنه آية اللعان ، ولا هو صريح في الأحاديث ، لأن في الحديث المشهور أنه طلقها بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينكر ذلك عليه . وأيضا فإن اللعان إنما شرع لدرء حد القذف ، فلم يوجب تحريما تشبيها بالبينة . وحجة الجمهور أنه قد وقع بينهما من التقاطع ، والتباغض ، والتهاتر ، وإبطال حدود الله ما أوجب أن لا يجتمعا بعدها أبدا ، وذلك أن الزوجية مبناها على المودة والرحمة وهؤلاء قد عدموا ذلك كل العدم ، ولا أقل من أن تكون عقوبتهما الفرقة . وبالجملة فالقبح الذي بينهما غاية القبح . وأما ، فقال متى تقع الفرقة مالك ، والليث ، وجماعة : إنها تقع إذا فرغا جميعا من اللعان . وقال : إذا أكمل الزوج لعانه وقعت الفرقة . وقال الشافعي أبو حنيفة : لا تقع إلا بحكم حاكم ، وبه قال ، الثوري وأحمد . وحجة مالك على حديث الشافعي قال : " فرق ابن عمر " . وما روي أنه لم يفرق بينهما إلا بعد تمام اللعان . وحجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المتلاعنين وقال : حسابكما على الله ، أحدكما كاذب ، لا سبيل لك عليها أن لعانها إنما تدرأ به الحد عن نفسها فقط ، ولعان الرجل هو المؤثر في نفي النسب ، فوجب إن كان للعان تأثير في الفرقة أن يكون لعان الرجل تشبيها بالطلاق . وحجتهما جميعا على الشافعي أبي حنيفة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرهما بوقوع الفرقة عند وقوع اللعان منهما ، فدل ذلك على أن اللعان هو سبب الفرقة . وأما أبو حنيفة فيرى أن الفراق إنما نفذ بينهما بحكمه وأمره - صلى الله عليه وسلم - بذلك حين قال : " " ، فرأى أن حكمه شرط في وقوع الفرقة كما أن حكمه شرط في صحة اللعان . فسبب الخلاف بين من رأى أنه تقع به الفرقة ، وبين من لم ير ذلك أن تفريق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما ليس هو بينا في الحديث المشهور ، لأنه بادر بنفسه فطلق قبل أن يخبره بوجوب الفرقة ، والأصل أن لا فرقة إلا بطلاق ، وأنه ليس في الشرع تحريم يتأبد ( أعني : متفقا عليه ) ، فمن غلب هذا الأصل على المفهوم لاحتماله نفى وجوب الفرقة قال بإيجابها . لا سبيل لك عليها
وأما سبب اختلاف من اشترط ، أو لم يشترطه فتردد هذا الحكم بين أن يغلب عليه شبه الأحكام التي يشترط في صحتها حكم الحاكم ، أو التي لا يشترط ذلك فيها . وأما المسألة الرابعة ، ( وهي إذا قلنا إن الفرقة تقع فهل ذلك فسخ أو طلاق ؟ ) ، فإن القائلين بالفرقة اختلفوا في ذلك ، فقال حكم الحاكم مالك ، : هو فسخ ، وقال والشافعي أبو حنيفة : هو طلاق بائن . وحجة مالك تأبيد التحريم به فأشبه ذات المحرم . وأما أبو حنيفة فشبهها بالطلاق قياسا على فرقة العنين إذ كانت عنده بحكم حاكم .