الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8444 ) فصل : والحقوق على ضربين ; أحدهما ، ما هو حق لآدمي . والثاني ، ما هو حق لله تعالى . فحق الآدمي ينقسم قسمين ; أحدهما ، ما هو مال ، أو المقصود منه المال ، فهذا تشرع فيه اليمين ، بلا خلاف بين أهل العلم ، فإذا لم تكن للمدعي بينة ، حلف المدعى عليه ، وبرئ . وقد ثبت هذا في قصة الحضرمي والكندي اللذين اختلفا في الأرض ، وعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : { ولكن اليمين على المدعى عليه } .

                                                                                                                                            القسم الثاني ، ما ليس بمال ، ولا المقصود منه المال ، وهو كل ما لا يثبت إلا بشاهدين ; كالقصاص ، وحد القذف ، والنكاح ، والطلاق ، والرجعة ، والعتق ، والنسب ، والاستيلاد ، والولاء ، والرق ، ففيه روايتان ; إحداهما ، لا يستحلف المدعى عليه ، ولا تعرض عليه اليمين . قال أحمد : لم أسمع من مضى جوزوا الأيمان إلا في الأموال والعروض خاصة .

                                                                                                                                            وهذا قول مالك . ونحوه قول أبي حنيفة ، فإنه قال : لا يستحلف في النكاح ، وما يتعلق به من دعوى الرجعة والفيئة في الإيلاء ، ولا في الرق وما يتعلق به من الاستيلاد والولاء والنسب ; لأن هذه الأشياء لا يدخلها البدل ، وإنما تعرض اليمين فيما يدخله البدل ; فإن المدعى عليه مخير بين أن يحلف أو يسلم ، ولأن هذه الأشياء لا تثبت إلا بشاهدين ذكرين ، فلا تعرض فيها اليمين كالحدود . والرواية الثانية ، يستحلف في الطلاق ، والقصاص ، والقذف . وقال الخرقي : إذا قال : ارتجعتك . فقالت : انقضت عدتي قبل رجعتك . فالقول قولها مع يمينها .

                                                                                                                                            وإذا اختلف في مضي الأربعة أشهر ، فالقول قوله مع يمينه . فيخرج من هذا ، أنه يستحلف في كل حق لآدمي . وهذا قول الشافعي ، وأبي يوسف ، ومحمد ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لو يعطى الناس بدعواهم ، لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ، ولكن اليمين على المدعى عليه } . أخرجه مسلم . وهذا عام في كل مدعى عليه ، وهو ظاهر في دعوى الدماء ; لذكرها في الدعوى مع عموم الأحاديث ، ولأنها دعوى صحيحة في حق لآدمي ، فجاز أن يحلف فيها المدعى عليه ، كدعوى المال .

                                                                                                                                            الضرب الثاني ، حقوق الله تعالى ، وهي نوعان ; أحدهما ، الحدود ، فلا تشرع فيها يمين . لا نعلم في هذا خلافا ; لأنه لو أقر ، ثم رجع عن إقراره ، قبل منه ، وخلي من غير يمين ، فلأن لا يستحلف مع عدم الإقرار أولى ، ولأنه يستحب ستره ، والتعريض للمقر به ، بالرجوع عن إقراره ، وللشهود بترك الشهادة والستر عليه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لهزال ، في قصة ماعز : { يا هزال ، لو سترته بثوبك ، لكان خيرا لك } . فلا تشرع فيه يمين بحال .

                                                                                                                                            النوع الثاني ، الحقوق المالية ، كدعوى الساعي الزكاة على رب المال ، وأن الحول قد تم وكمل [ ص: 219 ] النصاب ، فقال أحمد : القول قول رب المال ، من غير يمين ، ولا يستحلف الناس على صدقاتهم . وقال الشافعي ، وأبو يوسف ومحمد : يستحلف ; لأنها دعوى مسموعة ، أشبه حق الآدمي . ولنا ، أنه حق لله تعالى ، أشبه الحد ، ولأن ذلك عبادة ، فلا يستحلف عليها كالصلاة .

                                                                                                                                            ولو ادعى عليه ، أن عليه كفارة يمين أو ظهار ، أو نذر صدقة أو غيرها ، فالقول قوله في نفي ذلك من غير يمين ، ولا تسمع الدعوى في هذا ، ولا في حد لله تعالى ; لأنه لا حق للمدعي فيه ، ولا ولاية له عليه ، فلا تسمع منه دعواه حقا لغيره من غير إذنه ، ولا ولاية له عليه . فإن تضمنت دعواه حقا له ، مثل أن يدعي سرقة ماله ، ليضمن السارق ، أو يأخذ منه ما سرقه ، أو يدعي عليه الزنى بجاريته ; ليأخذ مهرها منه ، سمعت دعواه ، ويستحلف المدعى عليه لحق الآدمي ، دون حق الله تعالى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية