الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثاني : هذا الخلاف في الماء الراكد .

أما الجاري : فعن أحمد أنه كالراكد ، إن بلغ جميعه قلتين : دفع النجاسة إن لم تغيره ، وإلا فلا . وهي المذهب . وهي ظاهر كلام المصنف هنا وغيره . قال في الرعاية الكبرى : هي أشهر [ قال ابن مفلح في أصوله في مسألة المفهوم : هل هو عام أم لا ؟ المشهور عن أحمد وأصحابه أن الجاري كالراكد في التنجس ] وقدمه في الفروع والفائق . قال ابن تميم : اختاره شيخنا . قال الزركشي : اختارها السامري وغيره . وعنه : لا ينجس قليله إلا بالتغير . فإن قلنا ينجس قليل الراكد ، جزم به في العمدة ، والإفادات ، وقدمه في الرعايتين . قال في الكبرى : هو أقيس وأولى . قال في الحاوي الصغير : ولا ينجس قليل جار قبل تغيره ، في أصح الروايتين ، وقال في الحاوي الكبير : وهو أصح عندي . واختارها المصنف ، والشارح ، والمجد ، والناظم . قال في الفروع : اختارها جماعة . واختارها الشيخ تقي الدين . وقال : هي أنص الروايتين . وعنه تعتبر كل جرية بنفسها .

اختارها القاضي وأصحابه . وقال : هي المذهب ، قال الزركشي : هي اختيار الأكثرين . قال في الكافي : وجعل أصحابنا المتأخرون كل جرية كالماء المنفرد . واختارها في المستوعب . قال في الفروع : وهي أشهر . قال في الحاوي الكبير : هذا ظاهر المذهب ، قال الأصحاب : فيفضي إلى تنجيس نهر كبير بنجاسة قليلة لا كثيرة ، لقلة ما يحاذي القليلة .

إذ لو فرضنا كلبا في جانب نهر كبير وشعرة منه في جانبه الآخر ، لكان ما يحاذيها لا يبلغ قلتين لقلته ، والمحاذي للكلب يبلغ قلالا كثيرة . فيعايى بها [ ولكن رد المصنف والشارح وغيرهما ذلك ، وسووا بين القليل والكثير كما يأتي في النجاسة الممتدة ] .

[ ص: 58 ] فائدة :

للرواية الأولى والثانية فوائد ، ذكرها ابن رجب في أول قواعده . منها : إذا وقعت فيه نجاسة ، فعلى الأولى : يعتبر مجموعه . فإن كان كثيرا لم ينجس بدون تغير ، وإلا نجس ، وعلى الثانية : تعتبر كل جرية بانفرادها . فإن بلغت قلتين لم ينجس بدون تغير ، وإلا نجس . وعلى الثالثة : تعتبر كل جرية بانفرادها فإن بلغت قلتين لم ينجس بدون تغير ، وإلا نجست . ومنها : لو غمس الإناء النجس في ماء جار ، ومرت عليه سبع جريات ، فهل هو غسلة واحدة ، أو سبع ؟ على وجهين . حكاهما أبو حسن بن الغازي تلميذ الآمدي . وذكر أن ظاهر كلام الأصحاب : أنه غسلة واحدة . وفي شرح المذهب للقاضي : أن كلام أحمد يدل عليه . وكذلك لو كان ثوبا ونحوه وعصره عقيب كل جرية . ومنها : لو انغمس المحدث حدثا أصغر في ماء جار للوضوء ، ومرت عليه أربع جريات متوالية . فهل يرتفع بذلك حدثه أم لا ؟ على وجهين ، أشهرهما عند الأصحاب : أنه يرتفع .

وقال أبو الخطاب في الانتصار . ظاهر كلام أحمد : أنه لا يرتفع ; لأنه لم يفرق بين الراكد والجاري . قال ابن رجب : قلت بل نص أحمد على التسوية بينهما في رواية محمد بن الحكم . وأنه إذا انغمس في دجلة فإنه لا يرتفع حدثه حتى يخرج مرتبا . ومنها : لو حلف لا يقف في هذا الماء ، وكان جاريا : لم يحنث عند أبي الخطاب وغيره . وقال ابن رجب : وقياس المنصوص : أنه يحنث : لا سيما والعرف يشهد له . والأيمان مرجعها إلى العرف ، وقاله القاضي في الجامع الكبير .

التالي السابق


الخدمات العلمية