الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

463 . والخامس : التعليق في الإجازه بمن يشاؤها الذي أجازه      464 . أو غيره معينا ، والأولى
أكثر جهلا ، وأجاز الكلا      465 . معا (أبو يعلى) الإمام الحنبلي
مع ( ابن عمروس ) وقالا : ينجلي      466 . الجهل إذ يشاؤها ، والظاهر
بطلانها أفتى بذاك (طاهر)      467 . قلت : وجدت (ابن أبي خيثمة)
أجاز كالثانية المبهمة      468 . وإن يقل : من شاء يروي قربا
ونحوه (الأزدي) مجيزا كتبا      469 . أما : أجزت لفلان إن يرد
فالأظهر الأقوى الجواز فاعتمد

[ ص: 423 ]

التالي السابق


[ ص: 423 ] النوع الخامس من أنواع الإجازة : الإجازة المعلقة بالمشيئة . ولم يفرد ابن الصلاح هذا بنوع وأدخله في النوع قبله ، وقال : فيه جهالة وتعليق بشرط . وأفردته بنوع ، لأن بعض الأجائز المعلقة لا جهالة فيها كما ستقف عليه هنا; وذلك لأن التعليق قد يكون مع إبهام المجاز ، أو مع تعيينه ، وقد يعلق بمشيئة المجاز ، وقد يعلق بمشيئة غيره معينا ، وقد يكون التعليق لنفس الإجازة ، وقد يكون للرواية بالإجازة . فأما تعليقها بمشيئة المجاز مبهما ، كقوله : من شاء أن أجيز له فقد أجزت له ، أو أجزت لمن شاء فهو كتعليقها بمشيئة غيره ، وسيأتي حكمه . قال ابن الصلاح : بل هذه أكثر جهالة وانتشارا من حيث إنها معلقة بمشيئة من لا يحصر عددهم بخلاف تعليقها بمشيئة معين . وأما تعليقها بمشيئة غير المجاز : فإن كان المعلق بمشيئته مبهما فهذه باطلة قطعا ، كقوله : أجزت لمن شاء بعض الناس أن يروي عني ، وإن كان معينا ، كقوله : من شاء فلان أن أجيزه فقد أجزته ، أو أجزت لمن يشاء فلان ونحو ذلك; فقد حكى الخطيب في جزء له في "الإجازة للمعدوم والمجهول" عن أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي وأبي الفضل محمد بن عبيد الله بن عمروس : أنهما أجازا ذلك واستدل لهما بأن هذه الجهالة ترتفع عند وجود المشيئة ، ويتعين المجاز له عندها . قال ابن الصلاح : والظاهر أنه لا يصح وبذلك أفتى القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري إذ سأله الخطيب عن ذلك وعلله : بأنه إجازة لمجهول ، كقوله : أجزت لبعض الناس .

قال [ ص: 424 ] ابن الصلاح : وقد يعلل أيضا بما فيه من التعليق بالشرط فإن ما يفسد بالجهالة يفسد بالتعليق عند قوم . قلت : وقد وجدت عن جماعة من أئمة الحديث المتقدمين والمتأخرين استعمال هذا . فمن المتقدمين : الحافظ أبو بكر أحمد ابن أبي خيثمة زهير بن حرب صاحب يحيى بن معين ، وصاحب التاريخ . قال الإمام أبو الحسن محمد ابن أبي الحسين بن الوزان : ألفيت بخط أبي بكر ابن أبي خيثمة : قد أجزت لأبي زكريا يحيى بن مسلمة أن يروي عني ما أحب من كتاب التاريخ الذي سمعه مني أبو محمد القاسم ابن الأصبغ ، ومحمد بن عبد الأعلى ، كما سمعاه مني . وأذنت له في ذلك ولمن أحب من أصحابه فإن أحب أن تكون الإجازة لأحد بعد هذا فأنا أجزت له ذلك بكتابي هذا وكتب أحمد ابن أبي خيثمة بيده في شوال من سنة ست وسبعين ومائتين . وكذلك أجاز حفيد يعقوب بن شيبة ، وهذه نسختها - فيما حكاه الخطيب - يقول محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة : قد أجزت لعمر بن أحمد الخلال وابنه عبد الرحمن بن عمر ولختنه علي بن الحسن جميع ما فاته من حديثي ، مما لم يدرك سماعه من المسند وغيره ، وقد أجزت ذلك لمن أحب عمر فليرووه عني إن شاؤوا . وكتبت لهم ذلك بخطي في صفر سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة . قال الخطيب بعد حكاية هذا : ورأيت مثل [ ص: 425 ] هذه الإجازة لبعض المتقدمين ، إلا أن اسمه ذهب من حفظي . انتهى . وكأنه أراد بذلك ابن أبي خيثمة ، والله أعلم .

وأما إذا كان المعلق هو الرواية كقوله : أجزت لمن شاء الرواية عني ، أن يروي عني ، فقال ابن الصلاح : هذا أولى بالجواز من حيث إن مقتضى كل إجازة تفويض الرواية بها إلى مشيئة المجاز له ، فكان هذا مع كونه بصيغة التعليق تصريحا بما يقتضيه الإطلاق ، وحكاية للحال ، لا تعليقا في الحقيقة . قال : ولهذا أجاز بعض أئمة الشافعيين في البيع أن يقول : بعتك هذا بكذا إن شئت ، فيقول : قبلت . قلت : الفرق بينهما تعيين المبتاع هنا ، بخلافه في الإجازة ، فإنه مبهم . نعم . . وزانه في الإجازة أن يقول : أجزت لك أن تروي عني إن شئت الرواية عني . وأما المثال الذي ذكره فالتعليق وإن لم يضره فالجهالة مبطلة له . وكذلك ما وجد بخط أبي الفتح الأزدي : أجزت رواية ذلك لجميع من أحب أن يروي ذلك عني . وأما تعليق الرواية مع التصريح بالمجاز له وتعيينه ، كقوله : أجزت لك كذا وكذا إن شئت روايته عني ، أو أجزت لك إن شئت أن تروي عني ، أو أجزت لفلان إن شاء الرواية عني ، ونحو ذلك; فالأظهر الأقوى أن ذلك جائز إذ قد انتفت فيه الجهالة ، وحقيقة التعليق ، ولم يبق سوى صيغته .

فقولي : ( إن يرد ) ، أي : إن يرد الرواية يدل عليه قولي في البيت قبله : ( من شاء يروي ) ، ويجوز أن يراد الأمران معا ، أي : إن أراد الرواية ، أو الإجازة . والظاهر : أنه لا فرق وإن لم يصرح ابن الصلاح بتعليق الإجازة في المعين فتعليله وبعض أمثلته يقتضي الصحة فيه لعمومه .




الخدمات العلمية