الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
855 الأصل

[ 547 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: تدلي عليها من جلابيبها ولا تضرب به.

قلت: وما لا تضرب به؟

فأشار لي كما تجلبب المرأة، ثم أشار إلى ما على خدها من الجلباب فقال: لا تغطيه فتضرب به على وجهها فذلك [ ص: 275 ] الذي يبقى عليها ولكن تسدلها على وجهها كما هو مسدولا، ولا تقلبه ولا تضرب به ولا تعطفه
.

التالي السابق


الشرح

مقصود الفصل أن المرأة لا تستر وجهها في الإحرام، واعلم أن الرجل لا يجوز له ستر رأسه في الإحرام، ويجوز له ستر وجهه، قال - صلى الله عليه وسلم - في المحرم الذي خر من بعيره ومات: خمروا وجهه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا .

وعند أبي حنيفة: لا يستر المحرم وجهه كما لا يستر رأسه، وأما المرأة فالوجه كالرأس في حق الرجل فليس لها أن تنتقب ولكن لها أن تسدل على وجهها ثوبا متجافيا عنه، وهذا معنى ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه ، ويروى مرفوعا أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ليس على المرأة حرم إلا في وجهها ولم يثبته الحفاظ.

[ ص: 276 ] والتستر بالسدل منقول عن عائشة رضي الله عنها فعن مجاهد عنها أنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جازوها كشفناه وإليه يرجع معنى الأثر المروي عن ابن عباس.

والجلباب اختلفوا في تفسيره فقيل: هو الخمار، وقيل: ثوب واسع دون الرداء تغطي به المرأة صدرها وظهرها، وعن ابن شميل أنه ثوب أقصر من الخمار وأعرض تغطي به المرأة رأسها، وقال صاحب الصحاح: الجلباب: الملحفة، والمصدر الجلببة .

وقوله: "وما لا تضرب به؟" يريد ما معنى قولك: لا تضرب به.

وقوله: "فأشار لي كما تجلبب المرأة" أي: وصف بالإشارة جلببتها على الرأس ثم أشار إلى ما يحاذي الخد من الجلباب فقال: لا تغطيه، كأن المعنى أن الغطاء يثقله فيقع على الوجه.

وقوله: "فتضرب به على وجهها" أي: تلقيه، قال تعالى: وليضربن بخمرهن على جيوبهن أي: يلقين.

وقوله: "فذلك الذي يبقى عليها" يجوز أن يقرأ "يتقى" أي: يخشى منه عليها، ويجوز أن يقرأ "يبقى" أي: هو الذي يوقع الجلباب على الوجه ويبقيه عليه، ولكن تبقيه مسدولا على وجهها غير مقلوب ولا معطوف.

[ ص: 277 ]



الخدمات العلمية