الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فإذا بلغ النفس عقلته العاقلة في ثلاث سنين كما هو أصله وقد اعتبره في حكم القصاص على ما بينا وقد روي عن أبي يوسف ومحمد أن العاقلة لا تعقل نفس العبد وهو قول ابن أبي ليلى واستدل فيه بقوله عليه السلام { : ولا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا } والمراد أن نفس العبد لا تعقلها العاقلة وهذا لأن العبد يحل للتملك بالعقد فما يجب من الضمان بإتلافه يكون على المتلف في ماله كسائر الأموال وحجتنا في ذلك القيمة الواجبة بإتلاف نفس العبد بمنزلة الدية الواجبة بإتلاف نفس الحر وذلك على العاقلة مؤجلا في ثلاث سنين فهذا مثله وهذا لأن معنى النفسية لا يدخل تحت القهر فلا يتناولها الملك بل العبد فيه بمنزلة الحر .

( ألا ترى ) أنه يتعلق القصاص بقتله عمدا كما يتعلق بقتل الحر وكذلك الكفارة في الخطأ ولا مدخل للقصاص ولا كفارة في ضمان الأموال فعرفنا أن المال واجب هاهنا بالنص بخلاف القياس لأن المال لا يكون مثلا لما ليس بمال وما لا يكون مملوكا من الآدمي لا يكون مالا وإنما وجوب المال بقوله { ودية مسلمة إلى أهله } إلا أن هذه الدية في حق العبد القيمة وفي حق الحر مائة من الإبل كما بينه الشرع والدية تجب على العاقلة مؤجلة في ثلاث سنين في حالة الخطأ وبهذا المعنى خالف النفس ما دون النفس لأن ما دون النفس لا مدخل فيه للكفارة والقصاص وتأويل الأحاديث أن العاقلة لا تعقل جناية العبد على نفس العبد وبه نقول ثم الواجب بالجناية على النفس المملوك قيمته قلت قيمته أو كثرت غير أنها لا تزاد على دية الحر ولا تنقص عن عشرة آلاف إلا عشرة دراهم إذا كان العبد كبير القيمة في قول علمائنا رحمهم الله [ ص: 29 ] وفي قول الشافعي تجب قيمته بالغة ما بلغت وهو قول أبي يوسف الذي رجع إليه وإن كان المقتول أمة فإنها لا تزاد قيمتها على خمسة آلاف وينقص من ذلك عشرة دراهم في الروايتين وفي بعض الروايات خمسة دراهم فأما في قطع طرف العبد فيجب نصف قيمته بالغة ما بلغت في الصحيح من الجواب إلا رواية عن محمد أنه يجب في قطع يد العبد خمسة آلاف إلا خمسة ذكره في بعض نسخ الوكالة

وجه قول الشافعي ما روي عن عمر وعلي وابن عمر رضي الله عنهم أنهم أوجبوا في قتل العبد قيمته بالغة ما بلغت ولأن المتلف مات فيجب ضمان قيمته بالغة ما بلغت كسائر الأموال وهذا لأن ضمان المال يجب بطريق الجبران وإنما يحصل الجبران بما يكون مثلا له في صفة المالية ولهذا يضمن المملوك عند الغصب بقيمته بالغة ما بلغت كسائر الأموال فكذلك عند القتل وإنما قلنا أنه مال لأن الضمان يجب للمولى وملكه في عبده ملك مال والضمان الواجب له يكون ضمان المال إذا أمكن ولا يدخل عليه القصاص في حالة العمد لأن على هذا الطريق يقول القصاص يكون بدلا عن المالية أيضا إلا أن المالية ترقب بهذا المحل فتصير مضمونة بالنقصان وإن لم يكن المال في غير هذا المحل مضمونا بالقصاص بمنزلة الصيد في الحرم يكون مضمونا باعتبار حرمة المحل بما لا يضمن به في غير هذا المحل وهذا لأن القصاص يعتمد العمد والتكافؤ وذلك تمكن مراعاته في هذا المال دون سائر الأموال فكان هذا المال مضمونا بالقصاص دون سائر الأموال والدليل عليه أنه يرجع إلى تقويم المقومين في الأسواق ليوجب به حين ينفذ السوق وهذا يختص بضمان الأموال فأما في غير الأموال فإنما تجب الإبل ولا مدخل للإبل هاهنا .

والدليل عليه أنه باختلاف أوصاف المتلف في الجنس والجمال والمالية تختلف هذه الأوصاف فإنه ينقص عن الدية نقصانا غير معتبر فعرفنا أنه ضمان مال أو يكون المتلف عبدا فتجب قيمته بالغة ما بلغت كما لو كان قليل القيمة وهذا لأن في العبد معنيين : معنى النفسية والمالية فيكون الواجب بدلا عن المالية والدليل على ترجيح معنى المالية صيرورته محلا قابلا للتصرفات كسائر الأموال وخروجه من أن يكون أهلا للولايات التي اختصت بها النفوس المحترمة على أنا نعتبر كلا الوصفين فنقول : متى كان الواجب بإتلافه ما ليس بمال وهو القصاص يترجح معنى النفسية ولهذا لا يختلف بقلة المالية وكثرة المالية وهذا لأن ضمان المال بالمال أصل وضمان ما ليس بمال يكون على خلاف الأصل ومهما أمكن إيجاب الضمان على موافقة القياس فلا معنى للمصير إلى إيجابه بخلاف القياس [ ص: 30 ] والدليل عليه أن المبيع قبل القبض إذا قبض فالبيع يبقى ببقاء القيمة وإنما يبقى البيع إذا فات المعقود عليه وأخلف فلو لم يكن الضمان بدل المالية لما بقي العقد باعتباره لأن البيع يتناول المالية .

التالي السابق


الخدمات العلمية