الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : وإذا جنى العبد جناية فاختار المولى إمساك عبده وليس عنده ما يؤدي وكان ذلك عند قاض أو عند غير قاض فالعبد عبده والأرش دين عليه في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد : إن أدى الدية مكانه وإلا دفع العبد إلا أن يرضى الأولياء أن يتبعوه بالدية على ما قال فإن رضوا بذلك لم يكن لهم بعد ذلك أن يرجعوا في العبد . وجه قولهما أن نفس صاحب العبد صار حقا لمولى الجناية إلا أن المولى يتمكن من تحويل حقهم من العبد إلى الأرش باختياره الفداء فإذا أعطاهم الأرش كان هذا تحويلا لحقهم من محل إلى محل فيه وفاء بحقهم فيكون صحيحا منه وإذا كان مفلسا كان هذا منه إبطالا لحقهم لا تحويلا من محل إلى محل يعد له فيكون ذلك باطلا من المولى وهذا لأن ثبوت الخيار للمولى كان على وجه النظر من الشرع وإنما يثبت على وجه لا يتضرر به صاحب الحق .

فإذا آل الأمر إلى الضرر كان باطلا بمنزلة المحتال عليه إذا مات مفلسا فإن الدين يعود إلى ذمة المحيل لأنه حول حقه من ذمته إلى ذمة المحتال عليه بشرط أن يسلم له فإذا لم يسلم عاد كما كان وفي بيع المعاوضة إذا هلك أحد العوضين قبل القبض بطل العقد في الآخر لأن صاحبه حول حقه إلى العوض الآخر بشرط أن يسلم له فإذا لم يسلم عاد كما كان وكذلك في البيع والآخر بالشفعة إن سلم الثمن كان له أن يأخذ الدار وإن عجز عن ذلك لم يكن له أن يأخذها إلا أن يرضى البائع والمشتري في فصل الشفعة بالتسليم فهاهنا أيضا إن رضي المولى كان مسقطا حقه في العبد وإن أبى كان له أن يأخذ العبد وأبو حنيفة يقول بجناية العبد يخير المولى بين الدفع والفداء والمخير بين اثنين إذا اختار أحدهما تعين ذلك واجبا من الأصل كالمكفر إذا اختار أحد الأنواع الثلاثة فهاهنا باختياره تبين أن الواجب هو الدية في ذمة المولى من الأصل وأن العبد فارغ من الجناية فلا يكون لأولياء الجناية عليه سبيل .

يوضحه أن من ثبت له الخيار شرعا يستبد بالخيار من غير أن يحتاج إلى رضا صاحبه ولو [ ص: 37 ] رضي الأولياء أن يتبعوا بالدية لم يبق لهم حق في العبد فكذلك إذا اختار المولى ذلك في حال ما ثبت له الخيار شرعا وقيل : إن هذه المسألة في الحقيقة تبنى على اختلافهم في التفليس وعند أبي حنيفة التفليس ليس بشيء والمال غاد ورائح وهذا التصرف من المولى يكون تحويلا لحق الأولياء إلى ذمته لا إبطالا وعندهما التفليس معتبر والمال في ذمة المفلس يكون تأويا فيكون هذا الاختيار من المولى إبطالا لحق الأولياء وقد روي عن أبي يوسف أن اختيار المولى هاهنا معتبر حتى لا يكون لأولياء الجناية حق تملك العبد بالأخذ بعد هذا الاختيار ولكن يباع العبد فيه فيدفع ثمنه إلى الأولياء من حساب الدية التي على المولى وهو بناء على مذهب أبي يوسف في الحجر بسبب الدين فإنه يقول : القاضي يحجر على المديون ويبيع عليه ماله وعند أبي حنيفة لا يفعل ذلك وقد بينا هذا في كتاب الحجر .

التالي السابق


الخدمات العلمية