الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  وقوله مجرور لأنه عطف على قوله باب الصبر ، والتقدير وباب قوله تعالى : واستعينوا الآية ويجوز أن يكون مرفوعا عطفا على قوله : " الصبر عند الصدمة الأولى " على تقدير قطع الإضافة في لفظ باب كما ذكرنا فيه الوجهين وجه ذكر هذه الآية الكريمة هنا هو أنه لما كان المعبر من الصبر هو الصبر عند الصدمة الأولى الذي ذكرنا معناه أتى الصابر بصبر مقرون بالصلاة ، ولهذا " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى " رواه أبو داود . وروى الطبراني في تفسيره بإسناد حسن عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما " أنه نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر فاسترجع ، ثم تنحى عن الطريق فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ثم قام وهو يقول : واستعينوا بالصبر والصلاة الآية . قال المفسرون : معنى الآية استعينوا على ما يستقبلكم من أنواع البلايا بالصبر والصلاة ، وقيل : في أمر الآخرة ، وقيل : في ترك الرياسة ، والصبر الحبس ; لأن الصابر حابس نفسه على ما تكرهه ، وسمي الصوم صبرا لحبس النفس فيه عن الطعام وغيره ونهى صلى الله عليه وسلم عن قتل شيء من الدواب صبرا ، وهو أن يحبس حيا ، وقيل : المراد بالصبر في هذه الآية الصوم قاله مجاهد . قوله : " وإنها " أي : وإن الصلاة ولم يقل وإنهما مع أن المذكور الصبر والصلاة فقيل : لأنه رد الضمير إلى ما هو الأهم والأغلب كما في قوله : تعالى : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها رد الضمير إلى الفضة لأنها أعم وأغلب . فإن قلت : ما وجه الاستعانة بالصلاة ؟ قلت : لما كان فيها تلاوة القرآن والدعاء والخضوع لله تعالى كان ذلك معونة على ما تنازع إليه النفس من حب الرياسة والأنفة من الانقياد إلى الطاعة . قوله : " لكبيرة " أي شديدة ثقيلة على الكافرين إلا على الخاشعين ليست بكبيرة ، والخاشع الذي يرى أثر الذل والخضوع عليه ، والخشوع في اللغة السكون قال : خشعت الأصوات للرحمن ، وقيل : الخشوع في الصوت والبصر والخضوع في البدن . فإن قلت : قد علمت أن العبد منهي عن الهجر وتسخط قضاء الرب في كل حال ، فما وجه خصوص نزول النائبة بالصبر في حال حدوثها ؟ قلت : لأن النفس عند هجوم الحادثة تتحرك على الخشوع ليس في غيرها مثله ، وذلك يضعف على ضبط النفس فيها لكثير من الناس بل يصير كل جازع بعد ذلك إلى السلو ونسيان المصيبة ، والأخذ بقهر الصابر النفس [ ص: 101 ] وغلبته هواها عند صدمته يكون إيثارا لأمر الله تعالى على هوى نفسه ، ومنجزا لوعده بل السالي عن مصائبه لا يستحق الصبر على الحقيقة ; لأنه آثر السلو على الجزع واختاره ، وإنما الصبر على الحقيقة من صبر نفسه وحبسها عن شهواتها ، وقهرها عن الحزن والجزع والبكاء الذي فيه راحة النفس وإطفاء لنار الحزن ، فإذا قابل صورة الحزن وهجومه بالصبر الجميل ، وتحقق أنه لا خروج له عن قضائه وأنه يرجع إليه بعد الموت استحق حينئذ جزيل الأجر ، وعد من الصابرين الذين وعدهم الله بالرحمة والمغفرة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية