الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1217 38 - حدثنا عمر بن حفص بن غياث قال : حدثنا أبي قال : حدثنا الأعمش قال : حدثنا شقيق قال : حدثنا خباب رضي الله عنه قال : هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله ، فوقع أجرنا على الله ; فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير ، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفنه إلا بردة إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه ، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه ، وأن نجعل على رجليه من الإذخر .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  ذكر رجاله .

                                                                                                                                                                                  وهم خمسة : الأول : عمر بن حفص بن غياث بن طلق بن معاوية أبو حفص النخعي . الثاني أبوه حفص بن غياث . الثالث : سليمان الأعمش . الرابع : شقيق بفتح الشين وبالقافين ابن سلمة الأسدي ، أبو وائل . الخامس : خباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة ، وفي آخره باء أخرى ابن الأرت بفتح الهمزة والراء وتشديد التاء المثناة من فوق أبو يحيى . ويقال : أبو عبد الله .

                                                                                                                                                                                  ذكر لطائف إسناده :

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في خمسة مواضع ، وهذا السند كله بالتحديث وهو عزيز الوجود ، وفيه القول في خمسة مواضع ، وفيه أن رواته كلهم كوفيون ، وفيه رواية الابن عن الأب ، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي .

                                                                                                                                                                                  ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره :

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري أيضا في الهجرة ، وفي الرقاق عن الحميدي ، وعن محمد بن كثير ، وفي الهجرة أيضا عن مسدد ، وفي الموضعين من المغازي ، عن أحمد بن يونس ، عن زهير بن معاوية . وأخرجه مسلم في الجنائز عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبي كريب ، أربعتهم عن أبي معاوية ، وعن عثمان بن أبي شيبة ، وعن إسحاق بن إبراهيم ، وعن منجاب بن الحارث ، وعن إسحاق بن إبراهيم ، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر ، كلاهما عن ابن عيينة . وأخرجه أبو داود في الوصايا عن محمد بن كثير به مختصرا . وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمود بن غيلان ، وعن هناد بن السري . وأخرجه النسائي في الجنائز عن عبيد الله بن سعيد ، وإسماعيل بن مسعود .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه : قوله: " نلتمس وجه الله " ، أي ذات الله تعالى ، أي جهة الله تعالى لا جهة الدنيا ، وهذه الجملة محلها النصب على الحال . قوله: " فوقع أجرنا على الله " ، أي حق شرعا لا وجوبا عقليا ، وفي رواية : " وجب أجرنا على الله " ، أي بما وعد بقوله الصدق ; لأنه لا يجب على الله شيء . قوله: " لم يأكل من أجره شيئا " يعني لم يكسب من الدنيا شيئا ولا اقتناه ، وقصر نفسه عن شهواتها لينالها موفرة في الآخرة . قوله: " أينعت له ثمرته " بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون ، يقال ينع الثمر ينع وينع ينعا وينعا وينوعا ، فهو يانع معناه : أدرك ، وكذلك أينع معناه : أدرك ونضج ، وتمر ينيع ، وقال الفراء : أينع أكثر من ينع ، وقال القزاز : يونع إيناعا ، فهو مونع ، وقال الجوهري : جمع اليانع ينع مثل صاحب ، وصحب . قوله: " يهدبها " بفتح الياء آخر الحروف وسكون الهاء وكسر الدال المهملة وضمها ، أي يجتنيها ، وقال ابن سيده : هدب الثمرة يهدبها هدبا اجتناها . قوله : " قتل يوم أحد " ، أي قتل مصعب بن عمير يوم أحد ، والذي قتله عبد الله بن قميئة عن نيف وأربعين سنة وهذه [ ص: 61 ] الجملة استئنافية . قوله: " ما نكفنه " ، وفي رواية أبي ذر : " ما نكفنه به " . قوله : " من الإذخر " بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة ، وفي آخره راء . قيل : هو نبت بمكة . قلت : ليس بمخصوص بمكة ، ويكون بأرض الحجاز طيب الرائحة ينبت في السهول والحزون ، وإذا جف ابيض . وذكر أبو حنيفة في كتاب النبات أن له أصلا مندفنا ، وله قضبان دقاق ذفر الريح ، وهو مثل الأسل أسل الكولان يعني الذي يعمل منه الحصر ، إلا أنه أعرض وأصغر كعوبا ، وله ثمرة كأنها مكاسع القصب ، إلا أنه أرق وأصغر ، وله كعوب كثيرة .

                                                                                                                                                                                  ذكر ما يستفاد منه : قال ابن بطال : فيه أن الثوب إذا ضاق فتغطية رأس الميت أولى من رجليه ; لأنه أفضل ، وفيه بيان ما كان عليه صدر هذه الأمة ، وفيه أن الصبر على مكابدة الفقر وصعوبته من منازل الأبرار ودرجات الأخيار ، وفيه أن الثوب إذا ضاق عن تغطية رأسه وعورته غطيت بذلك عورته ، وجعل على سائره من الإذخر ; لأن ستر العورة واجب في حال الحياة والموت ، والنظر إليها ومباشرتها باليد محرم إلا من حل له من الزوجين ، كذا قاله المهلب . قلت : هذا عند من يقول : إن الكفن يكون ساترا لجميع البدن ، وإن الميت يصير كله عورة ، ومذهبنا أن الآدمي كله محترم حيا وميتا ، فلا يحل للرجال غسل النساء ، ولا للنساء غسل الرجال الأجانب بعد الوفاة ، وروى الحسن عن أبي حنيفة أن الميت يؤزر بإزار سابغ كما يفعله في حال حياته إذا أراد الاغتسال ، وفي ظاهر الرواية يشق عليهم غسل ما تحت الإزار ، فيكتفي بستر العورة الغليظة بخرقة ، وفي البدائع : تغسل عورته تحت الخرقة بعد أن يلف على يديه خرقة ، وينجى عند أبي حنيفة كما كان يفعله في حياته ، وعندهما لا ينجى ، وفي المحيط والروضة : لا ينجى عند أبي يوسف ، وفهم من هذا كله أن الميت لا يصير كله عورة ، وإنما يعتبر حاله بحال حياته ، وفي حال حياته عورته من السرة إلى الركبة ، والركبة عورة عندنا ، وهذا هو الأصل في الميت أيضا ، ولكن يكتفى بستر العورة الغليظة ، وهي القبل والدبر تخفيفا ، وهو الصحيح من المذهب ، وبه قال مالك . ذكره في المدونة .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية