الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1295 ( وقال عثمان بن حكيم : أخذ بيدي خارجة فأجلسني على قبر وأخبرني عن عمه يزيد بن ثابت قال : إنما كره ذلك لمن أحدث عليه )

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  الكلام في ذكر مناسبة هذا كالكلام في الذي قبله ، وعثمان بن حكيم بن عباد بن حنيف الأنصاري الأوسي الأحملاني أبو سهل المدني ثم الكوفي أخو حكيم بن حكيم ، وعن أحمد ثقة ثبت ، وهو من أفراد مسلم ، وهذا التعليق وصله مسدد في ( مسنده ) الكبير وبين فيه سبب إخبار خارجة لحكيم بذلك ولفظه : حدثنا مسدد ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا عثمان بن حكيم ، حدثنا عبد الله بن سرجس ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما " سمعا أبا هريرة يقول : لأن أجلس على جمرة فتحرق ما دون لحمي حتى تفضي إلي أحب من أن أجلس على قبر ، قال عثمان : فرأيت خارجة بن زيد في المقابر فذكرت له ذلك ، فأخذ بيدي " الحديث ، وقد أخرج مسلم حديث أبي هريرة مرفوعا فقال : حدثني زهير بن حرب قال : حدثنا جرير ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر " وقال بعضهم : وروى الطحاوي من طريق محمد بن كعب قال : إنما قال أبو هريرة : من جلس على قبر ليبول عليه أو يتغوط فكأنما جلس على جمرة ، لكن إسناده ضعيف . ( قلت ) : سبحان الله ما لهذا القائل من التعصبات الباردة ، فالطحاوي أخرج هذا عن أبي هريرة من طريقين أحدهما هذا الذي ذكره هذا القائل ، أخرجه عن يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم ، عن عبد الله بن وهب ، عن محمد [ ص: 184 ] بن أبي حميد ، عن محمد بن كعب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والآخر أخرجه عن ابن أبي داود ، عن محمد بن أبي بكر المقدمي ، عن سليمان بن داود ، عن محمد بن أبي حميد إلى آخره نحوه ، وأخرجه عبد الله بن وهب والطيالسي في مسنديهما ، ولم يذكر الطحاوي هذا الحديث إلا تقوية لحديث زيد بن ثابت ، أخرجه عن سليمان بن شعيب ، عن الحصيب ، عن عمرو بن علي ، عن عثمان بن حكيم ، عن أبي أمامة أن زيد بن ثابت قال : هلم يا ابن أخي أخبرك إنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجلوس على القبور لحدث غائط أو بول . ورجاله ثقات ، وعمرو بن علي هو الفلاس شيخ الجماعة ، فهذا القائل هلا ما أورد هذا الحديث الصحيح وأورد الحديث الذي هو محمد بن أبي حميد المتكلم فيه مع أنه ذكر الطحاوي هذا استشهادا وتقوية ، ولكن إنما ذكره هذا القائل حتى يفهم أن الطحاوي الذي ينصر مذهب الحنفية ، إنما يروي في هذا الباب الأحاديث الضعيفة ، ومن شدة تعصبه ذكر الحديث فنسبه إلى أبي هريرة ، ولم لم يذكر فيه قال أبو هريرة : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فأبرزه في صورة الموقوف والحديث مرفوع ، وتحقيق الكلام في هذا الباب ما قاله الطحاوي باب الجلوس على القبور ، حدثنا يونس قال : حدثنا يحيى بن حسان قال : حدثنا صدقة بن خالد ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن بسر بن عبيد الله ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن واثلة بن الأسقع ، عن أبي مرثد الغنوي قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا إليها " وأخرج هذا الحديث من أربع طرق ، وأخرجه مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، واسم أبي مرثد كناز بن الحصين ، وأخرج أيضا من حديث عمرو بن حزم قال : " رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبر فقال : انزل عن القبر فلا تؤذ صاحب القبر ولا يؤذيك " وأخرجه أحمد في ( مسنده ) ، وأخرجه أيضا من حديث جابر قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تجصيص القبور ، والكتابة عليها ، والجلوس عليها ، والبناء عليها " وأخرجه الجماعة غير البخاري ، وأخرج أيضا من حديث أبي هريرة نحو رواية مسلم عنه ، وقد ذكرناه الآن ، ثم قال : فذهب قوم إلى هذه الآثار وقلدوها وكرهوا من أجلها الجلوس على القبور ، وأراد بالقوم : الحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، وسعيد بن جبير ، ومكحولا ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبا سليمان ، ويروى ذلك أيضا عن عبد الله ، وأبي بكرة ، وعقبة بن عامر ، وأبي هريرة ، وجابر رضي الله تعالى عنه ، وإليه ذهب الظاهرية ، وقال ابن حزم في ( المحلى ) : ولا يحل لأحد أن يجلس على قبر ، وهو قول أبي هريرة وجماعة من السلف ، ثم قال الطحاوي وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا : لم ينه عن ذلك لكراهة الجلوس على القبر ، ولكنه أريد به الجلوس للغائط أو البول ، وذلك جائز في اللغة يقال : جلس فلان للغائط وجلس فلان للبول ، وأراد بالآخرين : أبا حنيفة ، ومالكا ، وعبد الله بن وهب ، وأبا يوسف ، ومحمدا وقالوا : ما روي عن النهي محمول على ما ذكرنا ، ويحكى ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم ، ثم قال : واحتجوا في ذلك بما حدثنا سليمان بن شعيب وقد ذكرناه عن قريب ، وهو حديث زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه ، ثم قال : فبين زيد في هذا الجلوس المنهي عنه في الآثار الأول ما هو ثم روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أيضا من طريق ابن يونس ، وطريق ابن أبي داود ، وقد ذكرناهما الآن ، ثم قال : فثبت بذلك أن الجلوس المنهي عنه في الآثار الأول هو هذا الجلوس يعني للغائط والبول ، فأما الجلوس بغير ذلك فلم يدخل في ذلك النهي ، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى . ( قلت ) : فعلى هذا ما ذكره أصحابنا في كتبهم من أن وطأ القبور حرام وكذا النوم عليها ليس كما ينبغي ، فإن الطحاوي هو أعلم الناس بمذاهب العلماء ولا سيما بمذهب أبي حنيفة .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية