وكذلك ما استعمله سبحانه في من تولد الكلمة التي جعلوها جوهر الابن منه، كما تزعمه تنزيهه وتقديسه عما أضافوه إليه من الولادة، سواء سموها حسية أو عقلية، كما تزعمه النصارى الفلاسفة الصابئون من تولد العقول العشرة والنفوس الفلكية التسعة التي هم مضطربون فيها: هل هي جواهر أو أعراض؟ وقد يجعلون العقول بمنزلة الذكور، والنفوس بمنزلة الإناث، ويجعلون ذلك آباءهم وأمهاتهم وآلهتهم وأربابهم القريبة، وعلمهم بالنفوس أظهر لوجود الحركة الدورية الدالة على الحركة الإرادية الدالة على النفس المحركة، لكن أكثرهم يجعلون النفوس الفلكية عرضا لا جوهرا قائما بنفسه، وذلك شبيه بقول مشركي العرب وغيرهم الذين جعلوا له بنين وبنات، قال تعالى: وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون [الأنعام: 100]، وقال تعالى: ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون [الصافات: 151 ـ 152] . [ ص: 36 ]
كما يزعم هؤلاء أن العقول، أو العقول والنفوس هي الملائكة، وهي متولدة عن الله. وكانوا يقولون: الملائكة بنات الله،
قال تعالى: ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم إلى قوله: ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون [النحل: 57 - 62] .
وقال تعالى: أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون [الزخرف: 16 - 19]، وقال تعالى: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى [النجم: 19 - 22] أي: جائرة، وغير ذلك في القرآن.
فبين سبحانه: أن الرب الخالق أولى بأن ينزه عن الأمور الناقصة منكم، فكيف تجعلون له ما تكرهون أن يكون لكم، وتستحيون من إضافته إليكم، مع [ ص: 37 ] أن ذلك واقع لا محالة، ولا تنزهونه عن ذلك وتنفونه عنه، وهو أحق بنفي المكروهات المنقصات منكم؟