والاعتراض على هذا من وجوه: أحدها: قوله: سواء أريد به قول من يجعل المعدوم شيئا، من المعتزلة ونحوهم، أو قول من يجعل الماهيات النوعية في الخارج مغايرة للوجود في الخارج، كما يقوله من يقوله من المتفلسفة، والكلام على فساد هذين مبسوط في غير هذا الموضع. إن قرن -باعتبار ذاته- شرط صار ممتنعا أو واجبا، وإن لم يقرن بها شرط بقي له من ذاته الأمر الثالث وهو الإمكان، يقتضي إثبات ذات لهذا الممكن تكون تارة واجبة وتارة ممتنعة، وهذا يقتضي أن لكل ممكن ذاتا مغايرة لوجوده، وأن تلك الذات يمكن اتصافها بالوجود تارة والعدم أخرى، وهذا باطل،
وهو لم يذكر هنا دليلا على صحة ذلك، ومجرد ما ذكره من التقسيم لا يدل على وجود الأقسام الثلاثة في الخارج، فيبقى دليله غير مقدر المقدمات. [ ص: 338 ]
وهذا مما يسلكه أمثال هؤلاء، يذكرون أقساما مقدرة تقديرا ذهنيا، ولا يقيمون الدليل على إمكان كل من الأقسام ولا وجوده، وإنما يذكرون مجرد تقدير ذلك، ويبنون على ذلك التقدير بناء من قد أثبته في الخارج، وهم لم يثبتوه في الخارج، كما ذكرنا نظائر ذلك في مواضع.
والمقصود هنا أن قول القائل: "كل موجود إذا التفت إليه من حيث ذاته من غير التفات إلى غيره فإما واجب وإما ممكن" إنما يصح إذا علم أن الموجود في الخارج له ذات يمكن أن لا يلتفت معها إلى غيرها، ليقال: إن تلك الذات إما واجبة، وإما أن يجب لها الوجود، وإما أن لا يجب.