الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كتاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، إلى المقوقس مع حاطب بن أبي بلتعة

( بسم الله الرحمن الرحيم ) من محمد بن عبد الله إلى المقوقس ، عظيم القبط ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : فإني أدعوك بداعية الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم القبط ، و ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) " وختم الكتاب .

فخرج به حاطب ، حتى قدم عليه الإسكندرية ، فانتهى إلى حاجبه ، فلم يلبثه أن أوصل إليه كتاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

وقال حاطب ، للمقوقس لما لقيه : إنه قد كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى ، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ، فانتقم به ، ثم انتقم [ ص: 351 ] منه ، واعتبر بغيرك ولا يعتبر بك . قال : هات ، قال : إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه ، وهو الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه ، إن هذا النبي ، صلى الله عليه وسلم ، دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش ، وأعداهم له يهود ، وأقربهم منه النصارى ، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى ابن مريم إلا كبشارة عيسى بمحمد، صلى الله عليه وسلم ، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل ، وكل نبي أدرك قوما فهم من أمته ، فالحق عليهم أن يطيعوه ، فأنت ممن أدركه هذا النبي ، ولسنا ننهاك عن دين المسيح ، ولكنا نأمرك به .

فقال المقوقس : إني قد نظرت في أمر هذا النبي ، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ، ولا ينهى إلا عن مرغوب عنه ، ولم أجده بالساحر الضال ، ولا الكاهن الكاذب ، ووجدت معه آلة النبوة بإخراج الخبء ، والإخبار بالنجوى ، وسأنظر .

وأخذ كتاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فجعله في حق من عاج ، وختم عليه ، ودفعه إلى جارية له ، ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية ، فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم ، لمحمد بن عبد الله ، من المقوقس عظيم القبط ، سلام عليك ، أما بعد : فقد قرأت كتابك ، وفهمت ما ذكرت فيه ، وما تدعو إليه ، وقد علمت أن نبيا بقي ، وكنت أظن أنه يخرج بالشام ، وقد أكرمت رسولك ، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم ، وبكسوة ، وأهديت لك بغلة لتركبها ، والسلام عليك . ولم يزد على هذا ، ولم يسلم .


* الجاريتان : مارية وسيرين .

* والبغلة : دلدل ، بقيت إلى زمن معاوية ، وكانت شهباء .

وذكر الواقدي في هذا الخبر أن المقوقس وصف لحاطب أشياء من صفة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وقال : القبط لا يطاوعوني في اتباعه ، ولا أحب أن تعلم بمحاورتي إياك ، وأنا أضن بملكي أن أفارقه ، وسيظهر على البلاد ، وينزل بساحتنا هذه أصحابه من بعده ، حتى يظهر على من هاهنا ، فارجع إلى صاحبك ، فقد أمرت له بهدايا وجاريتين أختين ، وبغلة من مراكبي ، وألف مثقال ذهبا ، وعشرين ثوبا ، وغير ذلك ، وأمرت لك بمائة دينار ، وخمسة أثواب ، فارحل من عندي ولا تسمع منك القبط حرفا واحدا . فرحلت من عنده ، وقد كان لي مكرما في الضيافة ، وقلة اللبث ببابه ، ما أقمت عنده إلا خمسة أيام . وإن الوفود وفود العجم ببابه منذ شهر وأكثر . [ ص: 352 ]

قال حاطب : فذكرت قوله لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال : "ضن الخبيث بملكه ، ولا بقاء لملكه" .


قال الدارقطني : اسمه جريج بن مينا ، أثبته أبو عمر في الصحابة ، ثم أمر بأن يضرب عليه . وقال : يغلب على الظن أنه لم يسلم . وكانت شبهته في إثباته إياه في الصحابة أولا رواية رواها ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، قال : أخبرني المقوقس أنه أهدى لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قدحا من قوارير ، فكان يشرب فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية