الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي

الدكتور / عبد المجيد السوسوه الشرفي

المرحلة الثالثة : من مراحل الاجتهاد الجماعي، هـي تضاؤل الأمل في قيامه مرة أخرى، ليس لأنه قد توقف في الفترة الماضية وترك الساحة للاجتهـاد الفـردي، بل لأن الاجتهـاد عموما قد أصابـه الشلل، حيث إنه لما ضعفت الدولة الإسلامية سياسيا وعسكريا، وأصابها الضعف في مختلف النواحي، وفقدت الدولة سيطرتها، واضطرب الاجتهاد الفقهي، ودخل في صفوف المجتهدين من ليس منهم، ووجدت بعض الفتاوى عن طريق الفرض والتشهي [1] .

وقل وضعف تمييز الناس بين العالم الحقيقي والمتعالم، وقلت الكفايات والورع، فتخوف العلماء و خاصة أتباع المذاهب الأربعة في القرن الرابع أن يوجد من يستغل دعوى الاجتهاد، لبث البدع والسموم الفكرية، وإفساد قواعد الشريعة [2] .

فأفتوا بإغلاق باب الاجتهاد، ليوصدوا الباب أمام من ليس أهلا للاجتهاد والنظر، ويقطعوا الطريق على الفرق والمذاهب المنحرفة، ويحموا الأمة من الانقسام الديني [3] . [ ص: 54 ]

ورأى العلماء من أتباع المذاهب الأربعة أن في تفاريع المذاهب المستقرة غنى وكفاية، ولكن ذلك أدى إلى شيوع التقليد، وابتعاد الكثيرين عن التبحر في العلوم التي تؤهل للاجتهاد، وانتشر التعصب المذهبي، والإفتاء بغلق باب الاجتهاد، وتقييد حركته في النطاق المذهبي، وكاد ميدان الاجتهاد أن يخلو زمنا طويلا، ما عدا ما كان يجري بين الحين والآخر من ظهور أئمة مجتهدين [4] .

وإذا كان القول بسد باب الاجتهاد قد قصد به في البداية منع الاجتهاد الفردي، لإبعاد من ليسوا أهلا للاجتهاد عن دائرته، فإن الأمر بعد ذلك قد أسيء فهمه، وروج بأن المقصود منع الاجتهاد مطلقا [5] .

وكم هـو فادح أن يتوقف الاجتهاد مطلقـا، لأن ذلك يؤدي إلى الجمود والقصور في التشريع، ويفقده الحيوية، وهذا يتنافى مع خصائص التشريع الإسلامي، وكان الواجب أن لا تعالج فوضى الاجتهاد بتحريمه، بل بتنظيمه وجعله في يد الجماعة لا يد الأفراد [6] ، اهتداء ( بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ، عندما سأله علي رضي الله عنه ، إذا نزل بهم أمر لا يجـدون له نصا في القـرآن، ولم تمض فيـه سنـة، فقـال: اجمعوا له العالمين أو قـال: العابدين من المؤمنين، فاجعلوه شورى بينكم، ولا تقضوا فيه برأي واحد ) [7] ، فبتنظيم الاجتهاد يستمر عطاؤه، وتمنع الأسباب التي جعلت بعض العلماء يدعو إلى إقفال بابه. [ ص: 55 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية