الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
المرحلة الثانية: بعد عصر الصحابة وبعض عصور الدولة الأموية، بعد هـذه الفترة لم يؤثر عن قيام الاجتهاد الجماعي، وإنما انتشر الاجتهاد الفردي، حيث كان كل مجتهد يستقل برأيه وفهمه في اجتهاده، وساعد على هـذا تفرق المجتهدين في الأقطار مما يصعب معه اجتماعهم وتشاورهم، فاستمر الاجتهاد الفردي، وتبارى المجتهدون في استنباط القواعد وتأسيس أصول بعض النظريات، فازدهر الفقه وأثرى [1] .

يقول الأستاذ عبد الوهاب خـلاف : وأمـا بعـد عهـد الصحابـة، فيما عـدا هـذه الفتـرة في الدولـة الأموية بالأندلس، فلـم ينعقـد إجماع، ولم يتحقق إجماع من أكثر المجتهدين لأجل التشريع، ولم يصدر التشريع عن الجماعة، بل استقل كل فرد من المجتهدين باجتهاده في بلده وفي بيئته، وكان التشـريـع فرديـا لا شوريا، وقد تتـوافـق الآراء وقـد تتناقـض، وأقصـى ما يستطيع الفقيه أن يقوله: لا يعلم في حكم هـذه الواقعة خلاف [2] .

ويرى بعض المفكرين، أن السبب الذي جعل العلماء بعد عصر الصحابة لم يحرصوا على استعمال الاجتهاد الجماعي كثيرا، هـو تخوف العلماء من هـيمنة الساسة على مجامع أو مجالس الاجتهاد الجماعي، حيث إن السلطة بعد الخلافة الراشدة قد آلت إلى ملوك وأمـراء بعضهم لا يتورع من هـيمنته على المجالس الاجتهادية، وتوجيهها إلى ما يخدم سياسته لا ما يخدم شرع الله ويحقق مصالح الأمة. فتخوف العلماء من التجمع في شكل هـيئة أو مجمع أو نحوهما لممارسة الاجتهاد جماعيا، وذلك قطعا للطريق أمام [ ص: 52 ] بعض السلاطين، ومن يدور في فلكهم من أشباه العلماء في أن يسيطروا على تلك الهيئة أو المجمع، ويسخروا ثقل الاجتهاد الجماعي واحترام الناس له إلى أداة للسلطان وخدمة سياساته، ويكون الاجتهاد الجماعي غطاء لإرادة الحاكم وهواه [3] .

وأيضا ربما كان السبب في إحجام العلماء عن إقامة هـيئة للاجتهاد الجماعي، هـو تخوفهم من أن تتحول تلك الهيئة إلى ما يشبه السلطة الكنسية، التي لا تعتبر أي اجتهاد أو فتوى يصدر من غيرها، وهذا يتنافى مع مقررات الشريعة الإسلامية، التي فتحت باب الاجتهاد لكل قادر عليه، وعدم احتكاره من قبل مؤسسة خاصة أو هـيئة دينية مخصوصة [4] .

ويرى الباحث أن عدم قيام الاجتهاد الجماعي في العصور التالية لعصر الصحابة وبعض الدولة الأموية، قد يكون سببه عدم شعور العلماء بالحاجة إلى هـذا النوع من الاجتهاد، أو شعورهم بأن الاجتهاد الجماعي قد يقلل من حركة الاجتهاد والإبداع الفردي، وقد يكون السبب حرص السلاطين على تعطيله وعدم قيامه، حتى لا يتجمع العلماء في هـيئة علمية كبرى، فتكون تيارا وقوة تضعف هـيمنة الحاكم وتحجم أهواءه. أما القول: بأن السبب قد يكون هـو التخوف من تحول مؤسسة الاجتهاد الجماعي إلى سلطة كنسية تحتكر الاجتهاد، فإنا لا نوافق هـذا الرأي، لأن المقصود بهيئة الاجتهاد الجماعي، هـو قيامها بالتنظيم والتنسيق للاجتهاد، حتى يكون في مستوى ما تتطلبه قضايا الأمة من اجتهاد دقيق، يراعي الملابسات والتداخلات التي [ ص: 53 ] تحيط بالقضية محل الاجتهاد، ولن يكون أداة لإغلاق باب الاجتهاد الفردي، فالشريعة الإسلامية جعلت الاجتهاد حقا لكل قادر عليه، وسنذكر في فصل المجمع الاجتهادي الضمانات والضوابط التي يجب توفرها في مؤسسة الاجتهاد الجماعي، حتى تظل أداة لخدمة الشريعة ومحققة لمصلحة الأمة، وتقي الاجتهاد الجماعي من الوقوع في المزالق، أو الخضوع لهيمنة السلطات وأهواء الحكام.

التالي السابق


الخدمات العلمية