الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
المبحث الثالث: شروط الاجتهاد

سأبدأ في هـذا المبحث بتمهيد أبين فيه أهمية شروط الاجتهاد، ثم أتكلم عن شروط الاجتهاد، مقسما لها إلى شروط قبول وشروط صحة، شارحا لكل شرط من تلك الشروط، ثم أتكلم عن الشروط التي ذهب إليها بعض العلماء، ولم يذهب إليها بعضهم الآخر، ثم أناقش القدر الذي يجب توفره من شروط الاجتهاد في أعضاء الاجتهاد الجماعي.

تمهيد عن أهمية شروط الاجتهاد

المجتهد: (هو الفقيه الذي يستفرغ وسعه لتحصيل حكم شرعي) [1] ، ولا بد أن يكون له ملكة يقتدر بها على استخراج الأحكام الشرعية من مآخذها، وعلى هـذا فإن من له دراية بالأحكام الشرعية، من غير أن يكون له قدرة على استنباطها من الأدلة، لا يسمى مجتهدا [2] ، وللمجتهد في الإسلام منزلة رفيعة، فهو قائم مقام النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه وارثا لعلم النبوة، ومبلغا إياه إلى الناس، وبوصفه معلما ومرشدا للأمة، فقد جاء في الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم ) [3] . ومنصب الاجتهاد من أسمى المناصب [ ص: 59 ] الدينية والدنيوية، لأن صاحبه يتكلم مبينا حكم الله سبحانه وتعالى [4] ، ولقد كان الصحابة والتابعون يفهمون نصوص الشرع، ويدركون مقاصده بحكم سليقتهم العربية، وتتلمذهم على مصدر الشـرع وهو النبـي صلى الله عليه وسلم ، فلم يكونوا بحاجة إلى قواعد تضبط لهم فهم النصوص واستنباط الأحكام، ولكن بعد أن طرأ على الناس ما أفسد سليقتهم العربية، وبعد الناس عن إدراك مقاصد الشرع، كان لا بد من وضع ضوابط للاستنباط، وشروط للاجتهاد [5] ، وذلك تنظيما للاجتهاد، ومنعا لمن يحاول أن يندس بين المجتهدين ممن ليس أهلا للاجتهاد، فيتقول على الله بغير علم، ويفتي في دين الله بما ليس فيه [6] .

وقد شدد بعض العلماء في شروط الاجتهاد وخفف آخرون، ورأى جماعة منهم الاعتدال، ومع ذلك فإن جميع ما ذكروه من شروط مرده إجمالا إلى معرفة مصادر الشريعة ومقاصدها، وفهم أساليب اللغة العربية، وأن يكون المجتهد على درجة من الصلاح، تجعله يتحرى في اجتهاده، ويحرص على مطابقة شرع الله وتقديمه على هـواه [7] ، ومن هـنا فقد ذكر العلماء شروطا لقبول الاجتهاد، وشروطا لصحة الاجتهاد، وانفرد بعض العلماء بذكر شروط لم يذكرها غيرهم. [ ص: 60 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية