[ ص: 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الطلاق
( قال ) الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله تعالى إملاء الطلاق في اللغة عبارة عن إزالة القيد ، وهو مأخوذ من الإطلاق يقول الرجل أطلقت إبلي وأطلقت أسيري وطلقت امرأتي فالكل من الإطلاق وإنما اختلف اللفظ لاختلاف المعنى ففي المرأة يتكرر الطلاق ، وإذا تم رفع القيد بتكرر الطلاق لا يأتي تقييده ثانيا في الحال ففي التفعيل معنى المبالغة ; فلهذا يقال في المرأة طلقت ، وهو كقولهم حصان وحصان لكن يقال في الفرس حصان أي بين التحصن ، وفي المرأة حصان أي بينة الحصن ، وكذا يقال عدل وعديل وكلاهما مشتق من العدالة والمعادلة ولكن يختص أحد اللفظين بالآدمي لمعنى اختص به وموجب الطلاق في الشريعة رفع الحل الذي به صارت المرأة محلا للنكاح إذا تم العدد ثلاثا كما قال الله تعالى { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } ويوجب زوال الملك باعتبار سقوط اليد عند انقضاء العدة في المدخول بها وانعدام العدة عند عدم الدخول والاعتياض عند الخلع .
فالاسم شرعي فيه معنى اللغة مباح وإن كان مبغضا في الأصل عند عامة العلماء ومن الناس من يقول لا يباح إيقاع الطلاق إلا عند الضرورة لقوله صلى الله عليه وسلم { وإيقاع الطلاق } وقال صلى الله عليه وسلم { لعن الله كل ذواق مطلاق } وقد روي مثله في الرجل يخلع امرأته ولأن فيه كفران النعمة فإن النكاح نعمة من الله تعالى على عباده قال الله تعالى { أيما امرأة اختلعت من زوجها من نشوز فعليها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا } وقال الله تعالى { زين للناس حب الشهوات من النساء } الآية وكفران النعمة حرام ، وهو رفع النكاح المسنون فلا يحل إلا عند الضرورة وذلك إما كبر السن لما روي أن سودة لما طعنت في السن طلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما لريبة لما روي { } أن رجلا جاء إلى [ ص: 3 ] النبي صلى الله عليه وسلم وقال إن امرأتي لا ترد يد لامس فقال صلوات الله عليه طلقها فقال إني أحبها فقال صلى الله عليه وسلم أمسكها إذن .
وأما قوله تعالى { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء } وقوله تعالى { فطلقوهن لعدتهن } وذلك كله يقتضي كله إباحة الإيقاع { حفصة رضي الله عنها حتى نزل عليه الوحي يأمره أن يراجعها فإنها صوامة قوامة } ولم يكن هناك كبر سن ولا ريبة وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم فإن وطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه طلق عمر أم عاصم رضي الله عنها رضي الله عنه طلق وعبد الرحمن بن عوف تماضر رضي الله عنها رضي الله عنه كان له أربع نسوة فأقامهن بين يديه صفا وقال أنتن حسان الأخلاق ناعمات الأرداف طويلات الأعناق اذهبن فأنتن طلاق وأن والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما استكثر من النكاح والطلاق الحسن بن علي بالكوفة حتى قال رضي الله عنه على المنبر إن ابني هذا مطلاق فلا تزوجوه فقالوا إنا نزوجه ثم نزوجه ولأن هذا إزالة الملك بطريق الإسقاط فيكون مباحا في الأصل كالإعتاق ، وفيه معنى كفران النعمة من وجه ومعنى إزالة الرق من وجه فالنكاح رق قال صلى الله عليه وسلم { علي } . النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته
وروي { بم يرق كريمته } ولهذا صان الشرع القرابة القريبة عن هذا الرق حيث حرم نكاح الأمهات والبنات والأخوات .
وإلى هذا المعنى أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : { } فقد نص على أنه مباح لما فيه من إزالة الرق ومبغض لما فيه من معنى كفران النعمة ثم معنى النعمة إنما يتحقق عند موافقة الأخلاق فأما عند عدم موافقة الأخلاق فاستدامة النكاح سبب لامتداد المنازعات فكان الطلاق مشروعا مباحا للتفصي عن عهدة النكاح عند عدم موافقة الأخلاق . وإن أبغض المباحات عند الله تعالى الطلاق