الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : وإذا تزوج المريض امرأة مريضة على ألف درهم ودفعها إليها ، ولا مال له غيرها ، ومهر مثلها مائة درهم فاختلعت بها منه قبل أن يدخل بها ، ثم ماتت من ذلك المرض ، ولا مال لها غيرها ، ثم مات الزوج بعدها من ذلك المرض ، فلورثة المرأة من هذه الألف مائتا درهم وخمسة وسبعون درهما ، ولورثة الزوج سبعمائة وخمسة وعشرون درهما وهذه المسألة تنبني على أصول : أحدها أن المريض إذا تزوج امرأة على أكثر من صداق مثلها ، فالزيادة على صداق المثل بمنزلة الوصية في الاعتبار من الثلث ، ومقدار صداق مثلها لا يعتبر من الثلث ، والثاني أن المريضة إذا اختلعت من زوجها بمال يكون معتبرا من ثلث مالها ، والثالث أن الطلاق قبل الدخول يسقط نصف الصداق عن الزوج شرعا ، ثم وجه تخريج المسألة أن في مقدار مهر مثلها ، وهو المائة لا وصية من الزوج لها ، وقد عاد بالطلاق قبل الدخول نصفه إليه بقي لها خمسون ، وقد أوصت بذلك للزوج حين اختلعت منه به ، فإنما يسلم للزوج ثلث ذلك ، وهو ستة عشر وثلثان ، فيكون حاصل مال الزوج تسعمائة وستة وستين وثلثين ، وقد حاباها بأربعمائة وخمسين في أصل النكاح ; لأن المحاباة كانت تسعمائة ، ولكن بالطلاق قبل الدخول عاد إلى الزوج [ ص: 196 ] نصفها فبقيت المحاباة بأربعمائة وخمسين ، وذلك أكثر من ثلث ماله ، فتعتبر محاباته من الثلث ، فكان ينبغي أن يسلم لها ثلث هذا المقدار إلا أنه قال : إنه تنفذ وصيته في ثلاثة أثمان هذا المقدار ; لأنا لو نفذنا في ثلثها رجع ثلث ذلك إلى ورثة الزوج بالخلع ، فيزداد مالهم وتجب الزيادة في تنفيذ الوصية لها بحسبه ، فلا يزال يدور هكذا فلقطع الدور قال : تنفذ وصيته في ثلاثة أثمانه .

وطريق معرفة ذلك بالسهام أنك تحتاج إلى مال ينقسم ثلثه أثلاثا ، وأقل ذلك تسعة ، فكان ينبغي أن يجعل مال الزوج على تسعة أسهم ، وتنفذ وصيته في ثلثه إلا أن سهما من هذه الثلاثة يعود إلى الورثة بالخلع وصية منها له ، فيصير في يد ورثة الزوج سبعة أسهم وحاجتهم إلى ستة ، وهذا السهم الزائد هو الدائر الذي يسعى إلى الفساد ، فالسبيل طرح هذا السهم من قبل من خرج الدور من قبله ، وهو معنى قول أبي حنيفة : سهم الدور ساقط ، وإنما ظهر هذا الدور من جانب الورثة بزيادة حقهم ، فنطرح من أصل حقهم سهما ، فيبقى حقهم في خمسة ، وحق المرأة في ثلاثة فيكون ثمانية ; فلهذا جعلنا مال الزوج على ثمانية ، ثم نفذنا وصيته لها في ثلاثة ، ويعود سهم من هذه الثلاثة إلى ورثته بالخلع فيصل للورثة ستة ، وقد نفذنا الوصية في ثلثه ، فيستقيم الثلث والثلثان ، ثم وجه التخريج من حيث الدراهم أن مال الزوج تسعمائة وستة وستون وثلثان ، فإذا قسمت ذلك أثمانا ، فكل ثمن من ذلك مائة وعشرون وخمسة أسداس ، فثلاثة أثمانه تكون ثلثمائة واثنين وستين ونصفا تنفذ الوصية في الابتداء في هذا المقدار يبقى للورثة ستمائة وأربعة وسدس ، ثم يعود إليهم من جهتها مائة وعشرون وخمسة أسداس ، فيكون جملة ذلك سبعمائة وخمسة وعشرين ، وقد نفذنا الوصية في ثلثمائة واثنين وستين ونصف ، فيستقيم الثلث والثلثان ، وحصل لورثة المرأة في الابتداء ثلاثة وثلاثون وثلث ، وبالوصية مائتان واحد وأربعون وثلثان ، فيكون جملة ذلك مائتين وخمسة وسبعين ، فاستقام التخريج ، وهذه المسألة بأخواتها تعود في كتاب العتق في المرض ، فيؤخر تخريج سائر الطرق إلى ذلك الموضع والله أعلم بالصواب

التالي السابق


الخدمات العلمية