الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : وإذا قال لامرأته : أنت طالق ثلاثا للسنة ولا نية له ، فكلما حاضت وطهرت طلقت واحدة حتى تستكمل الثلاث ; لأن قوله للسنة أي لوقت السنة ، فإن اللام للوقت قال الله تعالى { أقم الصلاة لدلوك الشمس } .

وكل طهر محل لوقوع تطليقة واحدة للسنة فلهذا طلقت في كل طهر واحدة ، ولا يحتسب الحيضة الأولى من عدتها ; لأنها سبقت وقوع الطلاق عليها ، وإن نوى أن تطلق ثلاثا في الحال ، فهو كما نوى عندنا ، وعند زفر رحمه الله تعالى لا تعمل نيته ; لأن وقوع الثلاث جملة خلاف السنة ، ووقوع الطلاق في الحيض أو في طهر قد جامعها فيه خلاف السنة .

[ ص: 102 ] والنية إنما تعمل إذا كانت من محتملات اللفظ لا فيما كان من ضده ; ولأن معنى قوله أنت طالق للسنة إذا حضت وطهرت فكأنه صرح بذلك ونوى الوقوع في الحال فلا تعمل نيته ، ولكنا نقول : المنوي من محتملات لفظه على معنى أن وقوع الثلاث جملة من مذهب أهل السنة ، ووقوع الطلاق في الحيض كذلك ، إذ كون الطلاق ثلاثا عرف بالسنة ، فقد كانوا في الجاهلية يطلقون أكثر من ذلك ، فعرفنا أن المنوي من محتملات لفظه وفيه تغليظ عليه فتعمل نيته .

ولو قال : أنت طالق للسنة ، ولم يسم ثلاثا ، ولم يكن له نية ، فهي طالق واحدة إذا طهرت من الحيضة ; لما بينا أن اللام للوقت ، وإن نوى ثلاثا ، فهي ثلاث ، كلما طهرت من حيضة ، طلقت واحدة ; لأن أوقات السنة غير محصورة ، فهو إنما نوى التعميم في أوقات السنة ; حتى يقع في كل طهر تطليقة واحدة .

وقد بينا أن نية التعميم صحيحة في كلامه ، فلهذا طلقت في كل طهر واحدة ، وإن كانت لا تحيض من صغر أو كبر ، طلقت ساعة تكلم به واحدة ، وبعد شهر أخرى ، وبعد شهر أخرى ; لأن الثلاث للسنة هكذا تقع عليها ، والشهر في حقها كالحيض في حق ذات القروء ، وإن نوى أن يقعن جميعا في ذلك المجلس ، فهو كما نوى ; لما بينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية