ولو فعتقه باطل عندنا ، وعند اشترى المضارب بألف المضاربة عبدين ، كل واحد منهما يساوي ألفا ، فأعتقهما المضارب - رحمه الله - نافذ في ربع كل واحد منهما ، وقيل على قول زفر أبي يوسف - رحمه الله - : ينبغي أن يكون الجواب كذلك ; بناء على أصلهما أن الرقيق يقسم قسمة واحدة فكان هذا بمنزلة جنس واحد من المال فيملك المضارب حصته من الربح ، وعند ومحمد - رحمه الله - لا يجري في الرقيق قسمة الجبر فيستسعى كل واحد من العبدين على حدته ، وكل واحد منهما مشغول برأس المال ، والأصح عند أبي حنيفة علمائنا الثلاثة - رحمهم الله - أن لا ينفذ عتق المضارب في شيء منها ; لأنهما يريان قسمة الجبر على الرقيق عند إمكان اعتبار المعادلة إذا رأى القاضي النظر في ذلك ، فعند عدم هذا الشرط كل واحد منهما معتبر على حدة ، لا فضل في كل واحد منهما على رأس المال فلا ينفذ عتق المضارب في شيء منها ، - رحمه الله - يقول : العبدان في حكم المضاربة كعبد واحد ، ورأس المال ألف درهم فيتيقن بوجود الفضل فيهما على رأس المال ; فينفذ عتق المضارب في حصته ، وهو الربع كما في العبد الواحد . فزفر
( ألا ترى ) أنه لو أعتقهما رب المال كان ضامنا حصة المضارب خمسمائة ، فإذا ظهر نصيب المضارب في حق وجوب الضمان له عند إعتاق رب المال فلأن يظهر نصيبه في تنفيذ العتق كان أولى .
ولنا أن بإعتاق رب المال إياهما يصل إليه رأس المال ; فيظهر الفضل ، فأما بإعتاق المضارب إياهما لا يصل إلى رب المال شيء ، ولا فضل في واحد منهما على رأس المال فيعتبر كل واحد منهما على حدة ، كأنه ليس معه غيره ، فلا ينفذ عتق المضارب في واحد منهما يوضحه أن للمضارب هنا حقا يتقرر عند وصول رأس المال إلى رب المال لا قبله .
( ألا ترى ) أنه لو هلك أحدهما كان الباقي كله لرب المال برأس ماله ، وباعتبار الحق يجب الضمان ، ولكن لا ينفذ العتق ، وإنما ينفذ باعتبار الملك ، ولا ملك له في واحد منهما عند الإعتاق ; فلهذا لا ينفذ عتقه ، وإن زادت قيمتهما بعد ذلك كان العتق باطلا أيضا ; لأنه إنما يملك نصيبه الآن حين ظهر الفضل فيهما على رأس المال بزيادة قيمتهما ، ومن أعتق ما لا يملك ، ثم ملك لا ينفذ عتقه ، ولو أعتقهما رب المال معا عتقا ; لأن كل واحد منهما ملكه لكون كل واحد منهما مشغولا بملك رأس المال ، وألف ربح فيضمن حصة المضارب من ذلك وهو [ ص: 112 ] خمسمائة موسرا كان أو معسرا ولا سعاية على العبد عندهم جميعا ; لأن كل واحد منهما عتق كله بإعتاق المالك إياه فلا يلزمه السعاية ، ورب المال صار متلفا حق المضارب من الربح بالعتق ; فيضمن له موسرا كان أو معسرا .
فإن أعتق أحدهما قبل صاحبه عتق الأول كله ، وولاؤه له ويعتق من الثاني نصفه ; لأنه حين نفذ عتقه في الأول منهما ، قد وصل إليه كمال رأس ماله وبقي العبد الآخر ربحا ، والربح مشترك بينهما نصفان فهو بإعتاق الثاني ، أعتق عبدا مشتركا بينه وبين غيره ، وحكم هذا في الخيار ، والاستسعاء ، والتضمين معروف ، موسر فعتقه في دين قيمته ألف درهم باطل ; لأنه لا فضل في قيمته على رأس المال ، فلا يملك هو شيئا منه ، وأما الذي قيمته ألفان فالمضارب مالك لربعه حين أعتقه فيعتق منه ربعه ، ثم باع الذي قيمته ألف درهم فيستوفي رب المال من ذلك رأس ماله ; لأن رأس المال يحصل من شراء الأموال ، وذلك مالية العبد الذي لقي فيه عتقه بطريق البيع ، فقد تعذر البيع في معتق العبد فإذا وصل إليه رأس ماله ظهر أن العبد الثاني كله ربح ، وأن نصيب المال منه ألف درهم فيضمن المضارب ذلك لرب المال إن كان موسرا ، ويرجع بها على العبد في قول ولو كان المضارب اشترى بها عبدين يساوي أحدهما ألفين والآخر ألفا فأعتقهما المضارب معا ، أو متفرقين وهو ويستسعيه أيضا في خمسمائة تمام نصيبه ; لأنه حين أعتق ما كان يملك منه إلا الربع ، فإن حدث له ملك في ربع آخر بعد ذلك بأن وصل إلى رب المال رأس ماله لا ينفذ ذلك العتق فيه ; فلهذا يستسعيه في هذا الربع لتتميم العتق . أبي حنيفة
ولو لم يعتقهما المضارب ، وأعتقهما رب المال في كلمة واحدة ، فالعبد الذي قيمته ألف جزء من مال رب المال ، ولا سعاية عليه ، وأما العبد الذي قيمته ألفان فثلاثة أرباعه جزء من مال رب المال ; لأن عتقه إنما نفذ فيه بقدر ملكه فيهما وقت الإعتاق ، وقد كان مالكا جميع العبد الأوكس ; لأنه لا فضل فيه على رأس المال وثلاثة أرباع الأرفع فينفذ عتقه في ذلك القدر ، وأما الربع الباقي فإن كان رب المال موسرا فالمضارب في قول - رحمه الله - بالخيار : إن شاء أعتق ذلك الربع ، وإن شاء استسعى العبد فيه ، وإن شاء ضمنه رب المال ويرجع به رب المال على العبد . أبي حنيفة
وإن كان معسرا : فإن شاء أعتق ، وإن شاء استسعى ، وهذا ظاهر وضمن المضارب أيضا رب المال تمام حصته من الربح ، وذلك خمسمائة موسرا كان أو معسرا ; لأنه بالإعتاق صار متلفا مقدار ألفين وخمسمائة : ألف من ذلك رأس ماله ، وألف وخمسمائة ربح ، وقد وصل إلى [ ص: 113 ] المضارب خمسمائة ، إما بالتضمين أو بالاستسعاء فيسلم مثله لرب المال بقي ألف درهم بما أنفقه : فنصفها حصة المضارب ; فلهذا غرم له خمسمائة موسرا كان أو معسرا .
والحاصل أن كل شيء زاد به نصيب المضارب بعد عتق رب المال فالضمان فيه على رب المال ، ولا ضمان فيه على العبد ، وكل ما كان الملك فيه ظاهرا للمضارب وقت إعتاق رب المال ، فالحكم فيه بالتضمين والاستسعاء يختلف باليسار والإعسار ، كما بينا ، ثم رب المال لا يرجع على العبد بما ضمن للمضارب من هذه الخمسمائة الأخرى ; لأنه التزم ذلك بالإتلاف فإن كان رب المال أعتق الذي قيمته ألفان أولا عتق منه ثلاثة أرباعه لما بينا ، ثم تبين بوصول رأس المال إلى رب المال أن الآخر كله ربح مشترك بينهما فإنما ينفذ عتق رب المال في نصفه فالحكم فيه بمنزلة الحكم في العبد المشترك يعتقه أحد الشريكين .
وإن كان أعتق الذي قيمته ألف درهم أولا عتق الأول كله وصار رب المال مستردا جميع رأس ماله فيظهر أن الآخر كله ربح ، وأنه مشترك بينهما ، وإنما ينفذ عتق رب المال في نصفه وللمضارب الخيار في نصيبه ، كما بينا .