الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا دفع إلى رجلين ألف درهم مضاربة ليس لواحد منهما أن يتصرف في المال إلا بإذن صاحبه فهو جائز ، وقد زعم بعض المتأخرين من مشايخنا - رحمهم الله - أن ذلك لا يجوز ; لأن صاحب المال ما رضي برأي أحدهما فليس للمضارب أن يرضى بما لم يرض رب المال به وما ذكره في الكتاب أصح ; لأن الذي أذن لصاحبه في التصرف يكون كالموكل وللمضارب أن يوكل

. ولو وكل إنسانا واحدا بالتصرف نفذ تصرف الوكيل بيعا وشراء ، فكذلك إذا وكل أحدهما صاحبه . وإن أبضع أحدهما بعض المال بغير أمر صاحبه فاشترى المستبضع وباع وربح أو وضع فربح ذلك للمضارب الذي أبضع ووضيعته عليه ; لأن [ ص: 46 ] إبضاعه صحيح في حق نفسه غير صحيح في حق صاحبه ولا في حق رب المال فيجعل تصرف المستبضع له كتصرفه بنفسه ولرب المال أن يضمن إن شاء المستبضع ويرجع به المستبضع على الآمر وإن شاء ضمن المضارب الآمر ; لأن كل واحد منهما في حقه غاصب فإن ضمنه لم يرجع على المستبضع بشيء ; لأنه ملك المال بالضمان فإنما أبضع ملك نفسه ; ولأن المستبضع عامل له لو لحقه ضمان رجع به عليه ورجوع الآمر عليه بالضمان لا يفيده شيئا .

فإن أذن كل واحد من المضاربين لصاحبه في أن يبضع ما شاء من المال فأبضع أحدهما رجلا وأبضع الآخر رجلا فذلك جائز عليهما وعلى رب المال ; لأن فعل كل واحد منهما بإذن صاحبه بمنزلة فعلهما جميعا .

وإن باع المضاربان عبدا من رجل فلكل واحد منهما أن يقبض نصف الثمن من المشتري ، وإن لم يأذن له شريكه في ذلك لأن كل واحد منهما بائع للنصف وحق قبض الثمن إلى العاقد والعاقد في ذلك لغيره كالعاقد لنفسه ولا يقبض أكثر من نصف الثمن إلا بإذن شريكه فإن أذن له شريكه في ذلك فهو جائز كما لو وكل به غيره ; لأن حق قبض النصف الآخر للشريك .

ولو قال لهما حين دفع المال إليهما مضاربة لا تبضعا المال فأبضعاه فهما ضامنان له ; لأن هذا نهي مفيد فيكون عاملا مع العقد وبعده ، وإن أبضعاه رب المال فهو جائز على المضاربة ; لأن قبول رب المال البضاعة منهما والشراء لهما به فسخ منه لذلك النهي فيكون بمنزلة ما لو أذن لهما في الإبضاع أو كان العقد مطلقا ، وفي ذلك لا فرق بين أن يبضعا رب المال أو غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية