الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو اشترى ببعض الجارية ثيابا ، ثم فتلها أو قصرها بأجر أو صبغها بأجر ، فله أن يبيعها مرابحة على الثمن والأجر ; لأن هذا مما جرى الرسم به بين التجار في إلحاقه برأس المال .

ولو مر على العاشر ، فعشره لم يلحق ذلك برأس المال ; لأن ذلك إما أن يكون زكاة فلا يلحقه برأس المال ، وإما أن يكون غصبا فلا بيع على ما غصب منه مرابحة .

ولو اشترى المتاع بجميع المال ثم قصره من ماله ، فهو متطوع لا يرجع به على رب المال ، ولا ضمان عليه إن قال له رب المال اعمل فيه برأيك أو لم يقل ; لأن القصارة تزيل الدرن ولا تزيد في العين شيئا من مال المضاربة ، فلا يصير هو مخالفا بما صنع ; لأنه زاد المتاع خيرا بما صنع ، وهو متطوع في ذلك ; لأن رب المال لم يرض برجوعه عليه بشيء في ذمته ، فعمله ذلك في متاع المضاربة ومتاع أجنبي آخر سواء .

وإذا باعه مساومة أو مرابحة كان الثمن كله على المضاربة .

وكذلك لو فتل الثوب أو صبغه أسود من ماله فنقصه ذلك أو لم يزد فيه ، وإن صبغه من ماله صبغا يزيد كالعصفر والزعفران . وإن كان رب المال أمره أن يعمل في ذلك برأيه

فلا ضمان عليه .

وإن كان لم يأمره [ ص: 76 ] لذلك فهو ضامن للثياب ; لأنه خلط ماله بمال المضاربة ، والصبغ مال متقوم للمضارب .

وقد بينا أن المضارب بالخلط يصير ضامنا إذ لم يقل له رب المال : اعمل فيه برأيك . ثم إن لم يكن فيه فضل على رأس المال ، فرب المال بالخيار إن شاء أخذه برأس ماله وأعطى المضارب ما زاد على الصبغ فيه يوم يختصمون ، وإن شاء سلم له الثوب وضمنه قيمته ; لأن الثوب كله لرب المال ، والمضارب فيما صنع بمنزلة من غصب ثوب إنسان وصبغه ، فإن لم يختر شيئا حتى باعها المضارب مساومة أو مرابحة ، جاز بيعه ; لبقاء عقد المضاربة بينهما في الثوب بعد الصبغ ; لأن المضارب في البيع كالوكيل ، والوكالة بالبيع لا تبطل بالخلاف من طريق الفعل ، وبرئ من ضمانه ; لأنه عاد إلى الوفاق من بعد تصرفه على المضاربة ، ويقسم الثمن في المساومة على قيمة الثوب وقيمة ما زاد الصبغ فيه ، فيكون حصة الصبغ للمضارب ، ويستوفي رب المال رأس ماله من حصة الثوب والباقي ربح بينهما على الشرط ; لأن الصبغ عين مال قائم في الثوب للمضارب ، وقد تناوله البيع كالثوب فيقسم الثمن عليهما ، بخلاف القصارة ، وإن كان باعه مرابحة قسم الثمن على ما اشترى به المضارب وعلى أجر الصبغ يوم صبغ ; لأن الثمن في بيع المرابحة مبني على الثمن الأول فيقسم عليه .

وفي بيع المساومة بمقابلة الملك فيقسم على قدر الملك ، وإن كان صبغه أسود ، فكذلك الجواب عندهما ; لأن السواد عندهما زيادة كالحمرة ، وعند أبي حنيفة السواد في الثوب نقصان .

فهو بمنزلة الفتل والقصارة في أنه لا حصة للمضارب من الثمن ولا ضمان عليه ; لأنه لم يخلط مال المضاربة بمال متقوم له .

التالي السابق


الخدمات العلمية