الأعجم : الذي لا يفصح وفي لسانه عجمة واستعجام . والأعجمي مثله . إلا أن فيه لزيادة ياء النسبة زيادة تأكيد . وقرأ : الأعجميين . ولما كان من يتكلم بلسان غير لسانهم لا يفقهون كلامه ، قالوا له : أعجم وأعجمي ، شبهوه بمن لا يفصح ولا يبين ، وقالوا لكل ذي صوت من البهائم والطيور وغيرها : أعجم ، قال الحسن حميد [من الطويل ] :
ولا عربيا شاقه أعجما
"سلكناه" أدخلناه ومكناه . والمعنى : إنا أنزلنا هذا القرآن على رجل عربي بلسان عربي مبين ، فسمعوا به وفهموه وعرفوا فصاحته وأنه معجز لا يعارض بكلام مثله ، وانضم إلى ذلك اتفاق علماء أهل الكتب المنزلة قبله على أن البشارة بإنزاله وتحلية المنزل عليه [ ص: 417 ] وصفته في كتبهم ، وقد تضمنت معانيه وقصصه ، وصح بذلك أنها من عند الله وليست بأساطير كما زعموا ، فلم يؤمنوا به وجحدوه ، وسموه شعرا تارة ، وسحرا أخرى ، وقالوا : هو من تلفيق محمد وافترائه ولو نزلناه على بعض الأعاجم الذي لا يحسن العربية ، فضلا أن يقدر على نظم مثله فقرأه عليهم هكذا فصيحا معجزا متحدي به ، لكفروا به كما كفروا ، ولتمحلوا لجحودهم عذرا ، ولسموه سحرا ، ثم قال : كذلك سلكناه أي مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم ، وهكذا مكناه وقررناه فيها ، وعلى مثل هذه الحال وهذه الصفة من الكفر به والتكذيب له وضعناه فيها ، فكيفما فعل بهم وصنع وعلى أي وجه دبر أمرهم ، فلا سبيل أن يتغيروا عما هم عليه من جحوده وإنكاره ، كما قال ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين [الأنعام : 7 ] . فإن قلت : كيف أسند السلك بصفة التكذيب إلى ذاته ؟ قلت : أراد به الدلالة على تمكنه مكذبا في قلوبهم أشد التمكن ، وأثبته فجعله بمنزلة أمر قد جبلوا عليه وفطروا . ألا ترى إلى قولهم : هو مجبول على الشح ، يريدون : تمكن الشح فيه ؛ لأن الأمور الخلقية أثبت من العارضة ، والدليل عليه أنه أسند ترك الإيمان به إليهم على عقبه ، وهو قوله : لا يؤمنون به . فإن قلت : ما موقع لا يؤمنون به من قوله : سلكناه في قلوب المجرمين ؟ قلت : موقعه منه موقع الموضع والملخص ؛ لأنه مسوق لثباته مكذبا مجحودا في قلوبهم ، فأتبع ما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد . ويجوز أن يكون حالا ، أي : سلكناه فيها غير مؤمن به . وقرأ : "فتأتيهم " ، بالتاء يعني : الساعة . وبغتة . بالتحريك . وفي حرف الحسن : "ويروه بغتة " . فإن قلت : ما معنى التعقيب في قوله : أبي فيأتيهم بغتة . . . . فيقولوا ؟ قلت : ليس المعنى ترادف رؤية العذاب ومفاجأته وسؤال النظرة فيه في الوجود ، وإنما المعنى ترتبها في الشدة ، كأنه قيل : لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم للعذاب فما هو أشد منها وهو لحوقه بهم مفاجأة ، فما هو أشد منه وهو سؤالهم النظرة . ومثال ذلك أن تقول لمن تعظه : إن أسأت مقتك الصالحون فمقتك الله ، فإنك لا تقصد بهذا الترتيب أن مقت الله يوجد عقيب مقت الصالحين ، وإنما قصدك إلى ترتيب شدة الأمر على المسيء ، وأنه يحصل له بسبب الإساءة مقت الصالحين ، فما هو أشد من مقتهم : وهو مقت الله ، وترى ثم يقع هذا الأسلوب فيحل موقعه [ ص: 418 ] أفبعذابنا يستعجلون تبكيت لهم بإنكار وتهكم ، ومعناه : كيف يستعجل العذاب من هو معرض لعذاب يسأل فيه من جنس ما هو فيه اليوم من النظرة والإمهال طرفة عين فلا يجاب إليها . ويحتمل أن يكون هذا حكاية توبيخ يوبخون به عند استنظارهم يومئذ ، و "يستعجلون" على هذا الوجه حكاية حال ماضية . ووجه آخر متصل بما بعده ، وذلك أن استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم ، وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن ، فقال تعالى : أفبعذابنا يستعجلون أشرا وبطرا واستهزاء واتكالا على الأمل الطويل ، ثم قال : هب أن الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم ، فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم . وعن : أنه لقي ميمون بن مهران في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال له : عظني ، فلم يزده على تلاوة هذه الآية ، فقال الحسن : لقد وعظت فأبلغت . وقرئ : "يمتعون " ، بالتخفيف . ميمون