النوع الثاني : الطعام والشراب
ففي " الجواهر " : عند الابتداء ويحمده عند الانتهاء للحديث الصحيح في ذلك ، " يسمي الله تعالى على الأكل والشرب " ، ولا يأكل متكئا ، لقوله عليه السلام : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع يده في الطعام قال : باسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا ، وإذا فرغ منه قال : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، قيل : [ ص: 257 ] معناه على جنبه ، وقيل يتهيأ للطعام تهيؤا كليا اهتماما به . وأما أنا فلا آكل متكئا
وسئل مالك عن الرجل يأكل واضعا يده اليسرى على الأرض ، فقال : إني لأتقيه وأكرهه ، وما سمعت فيه شيئا ; لأن فيه معنى الاتكاء .
، لقوله عليه السلام : ويأكل بيمينه ويشرب بيمينه . إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه ، ولا يأكل بشماله ، فإن الشيطان يأكل بشماله
; ويأكل مما يليه إلا أن يكون الطعام مختلفا ألوانا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل مع أعرابي ثريدا فجعل الأعرابي يتعدى جهته ، فقال له عليه السلام : كل مما يليك ، فلما حضر التمر جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل من جهات عديدة ، فقال له الأعرابي : كل مما يليك ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما ذلك في الثريد ، أو نحوه ، ولأنه مع عدم الاختلاف سوء أدب من جهة وضعه أصابعه الواصلة إلى فمه وربما استصحبت ريقه بين يدي جليسه من غير حاجته لذلك ، ومع الاختلاف الحاجة داعية لذلك ، ورخص الشيخ أبو الوليد أن يتعدى ما يليه مطلقا إذا أكل مع أهله ، ومع من لا يلزمه الأدب معه ، وقاله مالك ، أنه أكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يتتبع الدباء حول القصعة أنس بن مالك ، وإذا كان جماعة فأدير عليهم ما يشربون من لبن ، أو ماء ، أو نحوه ، فليأخذه بعد الأول الأيمن فالأيمن ; وعن رضي الله عنه ، وعن يمينه أعرابي ، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي أبو بكر الصديق لأبي بكر ، فقال لا أوثر بنصيبي منك أحدا ، فدل على أنه حق له ، ولأن اليمين أفضل فيقدم . لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب وعن يساره
[ ص: 258 ] وينبغي أن يأكل الإنسان مع القوم مثل ما يأكلون من تصغير اللقم ، وإطالة المضغ ، والرسل في الأكل ، وإن خالف ذلك عادته ، ، لقوله عليه السلام : " وينبغي أن لا ينهم في الأكل ، ويكثر منه " ، وينبغي أن يجعل ثلث بطنه للطعام ، وثلثه للماء ، وثلثه للنفس ، كذلك ورد الحديث . ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه
، وإن كان لبنا ، وأما تعمد الغسل للأكل فكرهه ويغسل يديه من الدسم ، وفاه مالك ، وقال : هو زي الأعاجم ، وفي الصحيح قال عليه السلام : " الغسل قبل الطعام أمان من الفقر ، وبعده أمان من اللمم " . قال أرباب المعاني : إنما أمن من الفقر ; لأن الله تعالى أجرى عادته أن من استهان بالطعام سلط الله عليه الجوع بالقحط وغيره ، وإذا لم يغسل قبل الطعام فقد أهانه بخلط الوسخ الذي على اليد معه فيخشى عليه الفقر ، وإن لم يغسل بعد الطعام خشي عليه إلمام الجان به ; لأنهم إنما يعيشون بالروائح ، فإذا شموه ربما عبثوا به ، وبهذا يظهر قول مالك أنه إذا لم يكن على يده وسخ لا يغسل ; لأنه إفساد للماء بغير حكمة .
لما يخشى من خروج ريقه مع النفخ فهو قذارة ، ولا يتنفس في الإناء ، ولكن ينحيه عن فيه ، وفي الحديث " ولا ينفخ في طعامه ، وشرابه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب ، وينحي عن فيه ثم يشرب " ، ولأن النفس تنبعث معه الفضلات فيفسد الماء وينتن الإناء مع الطول ; ، وشرب قائما ليدل على الجواز ، وفي الموطأ أن لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما ، عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان رضي الله عنهم كانوا يشربون قياما ، وكانت وعلي بن أبي طالب عائشة وغيرها لا ترى بالشرب قائما بأسا ، قال الباجي : على هذا جماعة العلماء ، وكرهه قوم لما في مسلم : ، قال والأصح أنه موقوف [ ص: 259 ] على لا يشرب أحد منكم قائما فمن نسي فليبصق ، أو يحمل على أنه شرب قائما ، وأصحابه جلوس فلم يوافقهم فيه ، ويكون آخرهم شربا ، ولا خلاف في جواز أبي هريرة ، قال الأكل قائما النخعي : إنما كره الشرب قائما لداء يحصل في الجوف .