[ المسألة الثانية ]
[ ] وجود الماء
وأما المسألة الثانية : فإن الجمهور ذهبوا إلى أن وجود الماء ينقضها .
وذهب قوم إلى أن الناقض لها هو الحدث ، وأصل هذا الخلاف هل وجود الماء يرفع استصحاب الطهارة التي كانت بالتراب ، أو يرفع ابتداء الطهارة به ؟ فمن رأى أنه يرفع ابتداء الطهارة به قال : لا ينقضها إلا الحدث .
ومن رأى أنه يرفع استصحاب الطهارة قال : إنه ينقضها ، فإن حد الناقض هو الرافع للاستصحاب ، وقد احتج الجمهور لمذهبهم بالحديث الثابت ، وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ما لم يجد الماء " والحديث محتمل ، فإنه يمكن أن يقال : إن قوله - عليه الصلاة والسلام - : " ما لم يجد الماء " يمكن أن يفهم منه : فإذا وجد الماء انقطعت هذه الطهارة وارتفعت ، ويمكن أن يفهم منه : فإذا وجد الماء لم تصح ابتداء هذه الطهارة ، والأقوى في عضد الجمهور هو حديث ، وفيه أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : " أبي سعيد الخدري " فإن الأمر محمول عند جمهور المتكلمين على الفور ، وإن كان أيضا قد يتطرق إليه الاحتمال المتقدم فتأمل هذا . فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك
وقد حمل تسليمه أن وجود الماء يرفع هذه الطهارة أن قال : إن التيمم ليس رافعا للحدث : أي ليس مفيدا للمتيمم الطهارة الرافعة للحدث ، وإنما هو مبيح للصلاة فقط مع بقاء الحدث ، وهذا لا [ ص: 65 ] معنى له ، فإن الله قد سماه طهارة ، وقد ذهب قوم من أصحاب الشافعي مالك هذا المذهب فقالوا : إن التيمم لا يرفع الحدث ; لأنه لو رفعه لم ينقضه إلا الحدث .
والجواب أن هذه الطهارة وجود الماء في حقها هو حدث خاص بها على القول بأن الماء ينقضها ، واتفق القائلون بأن وجود الماء ينقضها على أنه ينقضها قبل الشروع في الصلاة ، وبعد الصلاة ، واختلفوا هل ينقضها طروه في الصلاة ؟ فذهب مالك ، ، والشافعي وداود إلى أنه لا ينقض الطهارة في الصلاة ، وذهب أبو حنيفة ، وأحمد ، وغيرهما إلى أنه ينقض الطهارة في الصلاة وهم أحفظ للأصل ; لأنه أمر غير مناسب للشرع أن يوجد شيء واحد لا ينقض الطهارة في الصلاة وينقضها في غير الصلاة ، وبمثل هذا شنعوا على مذهب أبي حنيفة فيما يراه من أن ينقض الوضوء ، مع أنه مستند في ذلك إلى الأثر فتأمل هذه المسألة فإنها بينة ، ولا حجة في الظواهر التي يرام الاحتجاج بها لهذا المذهب من قوله تعالى : ( الضحك في الصلاة ولا تبطلوا أعمالكم ) فإن هذا لم يبطل الصلاة بإرادته وإنما أبطلها طرو الماء كما لو أحدث .