الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا مات الرجل وعليه دين أو لا دين عليه وله عبد [ ص: 126 ] مديون فوكل غرماء العبد الوارث بقبض دينهم من العبد لم يكن وكيلا في ذلك ; لأن الورثة قائمون مقام المورث في ملك رقبة العبد وكسبه وقد بينا أن المولى لا يكون وكيلا في قبض ما على عبده فكذلك وارثه بعده ، وكذلك لو وكلوا بعض غرماء المولى ; لأن حقهم في رقبته وكسبه مقدم على حق الوارث ، ولو لم يكن على المولى دين وقد ترك ثلثمائة درهم سوى العبد وقد أوصى بنصفها أو ثلثها لرجل فوكل غرماء العبد الموصى له بقبض دينهم من العبد لم يكن وكيلا في ذلك ; لأن الموصى له شريك الوارث في تركة الميت والوارث لا يكون وكيلا في ذلك فكذلك الموصى له وهذا لأن العبد من مال الميت وفي فراغه عن الدين منفعة للموصى له .

( ألا ترى ) أنه لو صح التوكيل وأقر بالقبض ، ثم لحق الميت دين كان يقضي ذلك الدين من مالية الرقبة ويسلم للموصى له جميع وصيته ; فلهذا لا يصلح وكيلا فيه .

( ألا ترى ) أن الموصى له لو شهد على رجل آخر بدين للميت على إنسان لا تقبل شهادته ; لأنه شريك الوارث في مال الميت فكذلك في حكم الوكالة .

ولو أعتق الوارث العبد ولا دين على الميت جاز عتقه عندنا وعلى قول الحسن بن زياد لا يجوز عتقه قال : لأن دين العبد أقوى من دين المولى .

( ألا ترى ) أن دين العبد في القصاص من مالية الرقبة مقدم على دين المولى ، ثم استغراق رقبته بدين المولى يمنع ملك الوارث فاستغراقه بدين نفسه أولى أن يمنع ملك الوارث ولكنا نقول الوارث يخلف ملك المورث بعد موته وقد كان المورث مالكا رقبة العبد مع كونه مستغرقا بدينه فكذلك وارثه بخلاف دين المولى فإن المولى كان مالكا رقبته في حياته باعتبار أن الدين في ذمته لا تعلق له بماله وبموته قد تعلق حق الغرماء بتركته ; ولهذا حل الأجل ; لأنه صار في حكم العين والعين لا تقبل الأجل وحق الغرماء مقدم على حق الورثة فمن هذا الوجه منع دين المولى ملك الوارث ، فأما دين العبد فعلى صفة واحدة في التعلق بمالية الرقبة بعد موت المولى كما كان قبله وإذا نفذ العتق من الوارث كان ضامنا قيمته للغرماء ; لأنه أتلف عليهم مالية الرقبة فإن اختار الغرماء اتباع العبد وأبرءوا الوارث من القيمة ، ثم وكلوا الموصى له بقبض دينهم من العبد فأقر بقبضه جاز إقراره ; لأن الموصى له في التركة شريك الوارث ، ولو وكلوا الوارث في هذه الحالة بالقبض جاز التوكيل ; لأن الوارث استفاد البراءة مطلقا ولا حق له في كسب المعتق فكذلك إذا وكلوا الموصى له بقبضه ، ولو وكلوا الموصى له بقبضه قبل إبراء الوارث من القيمة لم يجز التوكيل ; لأنهم لو وكلوا الوارث في هذه الحالة لم يجز التوكيل فكذلك إذا وكلوا [ ص: 127 ] الموصى له ، وكذلك لو وكلوه بقبض القيمة من الوارث لم يجز التوكيل ; لأن القيمة التي على الوارث مال الميت ( ألا ترى ) أنه لو أبرأ الغرماء العبد وظهر على المولى دين وجب قضاؤه من تلك القيمة والموصى له شريك الوارث في مال الميت فلا يجوز أن يكون وكيلا في قبضه من الوارث .

التالي السابق


الخدمات العلمية