الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو وجب للعبد المأذون ولرجل حر على رجل ألف درهم هما فيه شريكان ، ثم إن الشريك وكل العبد بقبض نصيبه فقبضه بمعاينة الشهود فهلك في يده فإنه يهلك من ماليهما جميعا ; لأن العبد لا يجوز أن يجعل قابضا لنصيب الأجنبي خاصة فإن ذلك لا يكون إلا بعد القسمة والإنسان لا يجوز أن يكون وكيلا في المقاسمة مع نفسه عن غيره وبدون القسمة المقبوض مشترك بينهما كما كان قبل القبض مشتركا والعبد في حصة الأجنبي أمين بحكم التوكيل ; فلهذا كان الهلاك من ماليهما جميعا والباقي بينهما نصفان ، وإن كان العبد قبض من الغريم شيئا لنفسه فهلك كان هالكا من ماله خاصة به ; لأن قبل التوكيل كان يملك قبض نصيبه فبقي مالكا له بعد التوكيل ; لأن بقبول الوكالة لا يتعذر عليه التصرف في نصيبه وإذا كان المقبوض من نصيبه فإن هلك كان من ماله خاصة وإن لم يهلك كان للأجنبي أن يأخذ منه نصفه كما لو قبضه قبل التوكيل وهذا ; لأن المقبوض جزء [ ص: 128 ] من الدين المشترك فلشريكه أن يشاركه فيه .

ولو كان الشريك وكل مولى العبد بقبض نصيبه من الدين فإن كان العبد لا دين عليه فهذا ووكالة العبد سواء ; لأن كسب العبد ملك المولى في هذه الحالة فلو جعلنا المقبوض من نصيب الأجنبي خاصة كان المولى وكيلا عن الأجنبي في المقاسمة مع نفسه ، وذلك لا يجوز ; فلهذا كان المقبوض من نصيبهما وإن كان على العبد دين كان قبض المولى على الأجنبي جائزا ; لأنه من كسب عبده المديون بمنزلة الأجنبي فتوكيل الأجنبي إياه بقبض نصيبه بمنزلة توكيل غيره به وإن توي المقبوض في يد المولى توي من مال الأجنبي ; لأن قبض وكيله له كقبضه بنفسه ، وكذلك لو أقر المولى بالقبض كان إقراره على الأجنبي جائزا ; لأنه بالتوكيل سلطه على الإقرار فيجعل إقراره بذلك كإقرار الأجنبي بنفسه وقد طعن عيسى رحمه الله في هذه المسألة فقال : ينبغي أن لا يجوز إقرار المولى بالقبض ههنا ; لأن فيه منفعة فإن ما بقي في ذمة المديون يخلص للعبد إذا صح إقرار المولى على الأجنبي بالقبض وفي منفعة العبد منفعة المولى فلا يجوز إقراره واستشهد على ذلك بالمسألة المذكورة بعد هذا في باب خصومة المأذون إذا مات الغريم فادعى أن شريكه قد قبض حصته فجحده الشريك ووكل الشريك مولى العبد في خصومة العبد فأقر المولى على الشريك بالاستيفاء لم يجز إقراره ولم يكن وكيلا له ; لما فيه من منفعة عبده وقد قيل في الفرق بينهما على جواب الكتاب إن المولى لا يخاصم عبده لنفسه فكذلك لا يخاصمه لغيره ، ولو جعلناه وكيلا هنا لكان يخاصم العبد لغيره وهو الموكل ، فأما فيما نحن فيه فهو يخاصم الأجنبي لغيره وهو يجوز أن يخاصم الأجنبي لنفسه فكذلك لغيره ، وإذا صح التوكيل جاز إقراره على الأجنبي ; لأنه سلطه على الإقرار عليه لما وكله به .

التالي السابق


الخدمات العلمية