الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا أذن المكاتب لعبده في التجارة ، ثم عجز وعليه دين أو ليس عليه دين فهو حجر على العبد ; لأن الإذن للعبد كان من قبل المكاتب فإن المولى من كسب

[ ص: 37 ] المكاتب أبعد منه من كسب المأذون المديون وقد بينا هناك أن عبده يكون مأذونا من جهة المولى فهنا أولى وكذلك إن مات المكاتب عن وفاء أو عن غير وفاء أو عن ولد مولود في الكتابة ; لأنه إن مات عن غير وفاء فقد مات عاجزا وعجزه في حياته يكون حجرا على عبده فموته عاجزا أولى ، وإن مات عن وفاء فهو كالحر وموت الحر حجر على عبده بانقطاع رأيه فيه فإن أذن الولد للعبد بعد موت المكاتب في التجارة لم يجز إذنه ; لأن كسب المكاتب مشغول بدينه فلا يصير شيء منه ميراثا للولد مع قيام دينه وكما لا ينفذ منه سائر التصرفات فيه فكذلك الإذن وكذلك الحر إذا مات وعليه دين وله عبد فأذن له وارثه في التجارة فإذنه باطل ; لأن الوارث لا يملك التركة المستغرقة بالدين ولا ينفذ شيء من تصرفاته فيها ما لم يسقط الدين كما لا ينفذ تصرفه في حال حياة مورثه فإن قضى الوارث الدين من ماله لم ينفذ إذنه أيضا ; لأنه غير متبرع فيما قضى من الدين ، وإنما قصد به استخلاص التركة فيستوجب الرجوع بما أدى ويقوم دينه مقام دين الغريم فلا ينفذ إذنه لبقاء المانع فإن أبرأ أباه من المال الذي قضى عنه بعد إذنه للعبد نفذ إذنه وجاز ما اشترى قبل قضاء الدين وبعده ; لأن المانع زال حين سقط دينه بالإبراء وصار هو ملكا للتركة من وقت الموت .

( ألا ترى ) أنه ينفذ سائر تصرفاته في العبد فكذلك إذنه له في التجارة ولو لم يكن على الميت دين وكان الدين على العبد فإن أذن الوارث له في التجارة جاز ; لأن دين العبد لا يملك ملك الوارث في التركة فإنه مع تعلقه في مالية رقبته ما كان يمنع ملك المولى في حياته فكذلك لا يمنع ملك وارثه بخلاف دين المولى فإنه في حياته كان في ذمته ، وإنما يتعلق بالتركة بموته وحق الغريم مقدم على حق الوارث وكذلك ابن المكاتب لو أذن للعبد الذي تركه أبوه في التجارة ، ثم استقرض مالا من إنسان فقضى به الكتابة لم يكن إذنه له في التجارة صحيحا ; لأنه يستوجب الرجوع بما أدى ليقضي به ما عليه من الدين فقيام دينه بمنزلة قيام دين المولى في أنه يمنع ملكه فلهذا لا ينفذ إذنه ولو وهب رجل لابن المكاتب مالا فقضى به الكتابة جاز إذنه للعبد في التجارة ; لأن ما وهب له بمنزلة سائر أكسابه ، والمكاتب أحق بأكساب ولده المولود في الكتابة ليقضي به مال الكتابة فكان قضاء بدل الكتابة من هذا الكسب كقضائه من شيء آخر للمكاتب ولا يستوجب الولد الرجوع عليه بذلك فتبين به زوال المانع من صحة إذنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية