الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا تجوز شهادة النساء مع الرجال ولا منفردات إلا في موضعين أن يشهدن على مال لا غيره مع رجل أو يشهدن على ما يغيب من أمر النساء منفردات فإن شهدت امرأتان مع رجل أنهما سمعتا فلانا يقر بأن هذا ابنه لم تجز شهادتهن لأن هذا لا يثبت به مال إلا وقد تقدمه ثبوت نسب ، وليس تجوز شهادتهن على الأنساب ، ولا في موضع إلا حيث ذكرت ، وإذا لم يثبت له النسب لم نعطه المال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أقام الرجل البينة أن هذه الدار التي في يدي هذا الرجل دار أبيه مات حرا مسلما ، وتركها ميراثا غير أنا لا نعرف كم عدد ورثته ، ونشهد أن هذا أحدهم قضينا بها للميت على الذي هي في يديه لأنا نقضي للميت بمحضر الوارث الواحد ، ونقف حق الغيب حتى يأتوا أو يوكلوا أو يموتوا فتقوم ورثتهم مقامهم ، ونقف هذه الدار ونستغلها ، ولا نقضي لهذا الحاضر منها بشيء لأنا لا ندري أحصته منها الكل أو النصف [ ص: 261 ] أو جزء من مائة جزء أو أقل ، ولا يجوز أن يكون نعطيه شيئا ، ونحن لا ندري لعله ليس له ، وإن قامت بينة أعطيناه بما شهدت به البينة ، وسلمنا له حصته من الغلة والدار فإن لم تقم بينة كان ذلك موقوفا ، وسواء طال الزمان في ذلك أو قصر فإن قال قائل أفرأيت الرجل يموت وعليه الدين فتحضر غرماؤه فيثبتون على ديونهم ، ويحلفون ، وتصح في دينه كيف تقضي لهؤلاء ، وأنت لا تدري لعل له غرماء لهم أكثر مما لهؤلاء فلا يصيب هؤلاء مثل ما تقضي لهم فإن جاء غيرهم من غرمائه أدخلتهم عليهم ؟ قيل لافتراق الدين والميراث ، فإن قال قائل فأين افتراقهما ؟ قيل الدين في ذمة من عليه الدين حيا كان أو ميتا يجب في الحياة مثل الذي يجب في الوفاة ، ولا يخرج ذو الدين حيا كان أو ميتا فيما بينه وبين الله عز وجل ، ولا في الحكم إلا أن يؤدي دينه ، ولو كان حيا فدفع إلى أحد غرمائه دون غيره من غرمائه كان ذلك جائزا للمدفوع إليه لأن أصل الدين في ذمته ، وأهل الدين أحق بمال ذي الدين حيا كان أو ميتا منه ومن ورثته بعده ، والدين مطلق كله لا بعضه في ذمته ، والورثة ليسوا يستحقون ، وذو المال على شيء ، وإنما نقل الله عز وجل إليهم ما كان الميت مالكا الفضل عن الدين ، وأدخل عليهم أهل الوصايا فإن وجدوا فضلا ملكوا ما وجدوا بما فرض الله عز وجل لهم لا بشيء كان في ذمة الميت ، وإن لم يجدوا لم يكن في ذمة الميت لهم شيء ، ولم يكن آثما بأن لم يجدوا شيئا ، ولا متبوعا كما يكون متبوعا بالدين فلما لم يكن لهم في ذمة الميت شيء يتبع به بكل حال ، وكان إنما فرض لهم شيء لا يزادون عليه ، ولا ينقصون منه ، إنما هو جزء مما وجدوا قل أو كثر فلم يكن ثم أصل حق يعطون به إلا على ما وصفت لم يجز لهم أن يكون الملك منقولا إلى واحد منهم إلا وملكه معروف ، وإن ورد هذا على الحاكم كشفه ، وكتب إلى البلد الذي انتوى به الميت ، وطلب له وارثا ، فإن لم يجده فإنما ماله موقوف فندعوا الطالب لميراثه بثقة كمن يرضى هو أن يقف الأموال على يديه فإذا ضمن عنه ما دفع إليه دفعه إليه ، ولم يكن هذا ظلما لغائب إن جاء ، ولا حبسا عن حاضر ، وإذا كان المال مضمونا على ثقة كان خيرا للغائب من أن يكون أمانة عند ثقة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أقام الرجل البينة أن أباه مات وترك هذه الدار ، وأنه لا وارث لأبيه غيره قضى له بالدار ، ولم يؤخذ منه بذلك كفيل ، والله تعالى الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية